أمي وأبي سبب كراهيتي للدين والمتدينين !!
بدأ كلامه بقوله (إني كرهت الدين والمتدينيين) ، وصرت لا أحب الصلاة ولا الحديث حول الدين وأحكامه ، فسألته : وما سبب كراهيتك لهما ؟ فنظر إلى أخته وقال لها : تحدثي واشرحي ما سبب كراهيتنا للدين والمتدينين ، فقالت : دعني أشرح لك القصة من أولها ، فأنا عمري الآن خمسة عشر عاما ، وأخي هذا أكبر مني بسنتين ، وقد جئنا إليك نشكو لك والدينا ، لأنهما سبب كراهيتنا للدين والمتدينين ، فأمي امرأة محجبة وملتزمه بالدين ظاهرا ، ولكن سلوكها وأخلاقها ليس له علاقة بالدين ، ولما كنا صغارا كثيرا ما كانت تردد علينا عبارات كرهتنا بالدين من حيث لا تشعر ، فكانت تقول لنا (الذي يكذب فإن الله يحرقه بالنار) ، وبالمقابل هي تكذب كثيرا أمامنا ، فنتساءل : لماذا الله يحرق الأطفال بالنار عندما يكذبون ولا يعذب الكبار ! وكلما عملنا شيئا أنا وأخي قالت: الله لا يحب من يفعل كذا ، فصار عندنا شعور بأن الله لا يحبنا ، وأنه يحرق الأطفال بالنار ، فلماذا نعبده ونصلي له !
فقاطعها أخوها قائلا : ومع ذلك فهي تصرخ علينا وتشتمنا وتضربنا ونراها تنصح الناس بالدين ، فما هذا الدين الذي تتحدث عنه ؟ أما والدنا فهو رجل أعمال ناجح وهو يصلي وملتزم ، ولكننا رأيناه أكثر من مرة يشاهد أفلاما إباحية وفي جواله علاقات نسائية غير شرعية ، ونعرف أنه يستغل أموال الشركة لحسابه الخاص ، ومع هذا كله فهو يضربنا إذا لم نصلِّ أنا وأختي ، فكرهنا الصلاة وكرهنا الدين كله وكرهنا النفاق الديني الذي نشاهده يوميا في بيتنا.
بدأت أتحدث معهما عن الفرق بين الدين والمتدينين ، فالدين منهج للحياة وهو عبارة عن أوامر ربانية للإنسان إذا التزم بها فإنه يسعد في دنياه وآخرته ، أما المتدين فهو إنسان ينتسب للدين وليس هو الدين ، فإذا كان هذا الإنسان قدوة حسنة قدم صورة طيبة للدين ، وإذا كان قدوة سيئة مثل هذين الوالدين قدما صورة سيئة ، والمشكلة هنا ليست في الدين بل في المتدين وهناك فرق كبير بينهما.
ثم تحدثت معهما عن دورهما في أن يكونا سببا في تغير والديهما نحو التدين الصادق ، إلا أن أكثر ما أثر بي من حديث هذا الشاب وأخته أنهما وصفا والديهما بالنفاق الديني ، فهما أمام الناس قدوة دينية مثالية ولكنهما في الحقيقة ليسا كذلك ، وكأنهما يستغلان الدين لتحقيق أهدافهما الخاصة في الحياة ، حتى صار هذا الشاب يكره الدين ويفكر بالإلحاد.
ولهذا فإني أتساءل : هل نحن نربي أبناءنا على كراهية الدين أم على حبه ؟ فأنا أعرف أماً تكذّب ابنتها دائما عندما تجيبها عن سؤالها هل صليت ؟ فتخبرها ابنتها بصدق أنها صلت ، فترد عليها الأم بقولها لا تكذبي علي ، فتركت هذه البنت الصلاة وصارت تكذب على أمها بسبب سوء ظن أمها بها .
وأعرف أمّاً أخرى متميزة في تعاملها مع أبنائها وكان أسلوبها سببا في صدق أبنائها وحبهم للصلاة ، وتروي لي ابنتها فتقول إن أمها كلما سألتها عن الصلاة تجيبها : بأنها لم تصل بعد ، فترد عليها (شكرا على صدقك يا ابنتي ، وأتمنى حرصك على الصلاة) ، فقدمت المدح على الذم وقدمت التشجيع على النقد ، فكان هذا الأسلوب سببا في حب الفتاة للدين وتعلقها بالصلاة.
إن أقوى أسلوبين مؤثرين يجعل أبناءنا يحبون الدين ويتعلقون به (الأخلاق الصادقة ، والقدوة الحسنة) فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، الموطؤون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) فالدين ليس تجارة نتكسب من ورائه ، أو شكلا نخدع الناس به ، أو كلمات نستخدمها لكسب من أمامنا ، أو لباسا يظهر التزامنا ، وإنما الدين هو أسلوب حياة نابع من قناعة داخلية ، وإيمان بالغيب ، وأخلاق صادقة ، وتعامل حسن ، وشكل طيب ، فكلما كانت أخلاقنا راقية وقدوتنا عالية أثرنا بمن أمامنا ، وصرنا نقدم للآخرين نموذجا للدين رائعا ، وهذا ما نفتقده في مجتمعنا وبيوتنا في هذا الزمان.