حوار مع أربع بنات مدخنات !
لماذا تدخنّ السيجارة ؟ تم طرح هذا السؤال على أربع فتيات عمرهن لا يتجاوز الخامسة عشرة ، فقالت الأولى : كانت البداية عندما طلق أبي أمي فتأثرت كثيرا بهذا الطلاق ، ولم أعرف كيف أتصرف فلجأت إلى السيجارة وكانت هي البداية ، وقالت الثانية : أما أنا فكانت بدايتي في موسم الامتحانات المدرسية ، وكنت متوترة جدا فلجأت للتدخين لعله يخفف بعض همومي وخوفي وتوتري ، وقالت الثالثة : أما أنا فرأيت أمي تدخن السيجارة مع صديقاتها فأردت أن أجرب التدخين فلما جربتها تعلقت بها ، وقالت الرابعة: صديقاتي دائما يطلبن مني أن أشاركهم التدخين فلما جربته أدمنت عليه.
قد يرى البعض أن تدخين شبابنا وبناتنا قضية سلوكية أو صحية ، وقد يكون محقا في ذلك ولكني أراها بالدرجة الأولى هي قضية تربوية ، (فإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهله الرقص ) ، فالمناعة والحصانة السلوكية التي نعطيها لأبنائنا في العملية التربوية هي التي تحفظ سلوكهم وتضبط أخلاقهم وتوجه رغباتهم ، ولهذا فإن البنات الأربع يعرفن جيدا أن التدخين مضر بالصحة ، وهو السبب الرئيسي لسرطان الجلد والإصابة بالعقم والبرود الجنسي ، وأن 10 أشخاص في كل دقيقة يموتون من التدخين في العالم ، فالقضية بالنسبة لهم ليست مجرد معلومات تحفظ أو تعطى عن أضرار التدخين ، ولكن الأهم كيفية التفاعل مع هذه المعلومات وتحويلها لسلوك عملي .
فظاهرة تدخين الشباب والفتيات في الخليج صارت منتشرة وواضحة ، وقد اطلعت على أرقام وإحصائيات كثيرة تفيد ازدياد نسبة المدخنين الشباب عندنا ، وبعض هذه الدراسات تفيد أن نسبة المدخنين من الرجال بلغ في الخليج 40% بينما نسبة النساء 10% ، يعني ذلك أن كل أربعة رجال مدخنين بينهم امرأة واحدة ، أما الشباب فنسبة تدخينهم 15% وهذه الأرقام للتدخين العلني بخلاف التدخين السري غير المعلن عنه وخاصة في فئة النساء والبنات ، كما ويموت عندنا يوميا 45 حالة بسبب الأمراض السرطانية التي لها علاقة مباشرة بالتدخين.
فالتدخين قضية خطيرة ومدمرة وخاصة إذا رافقه حشيش أو مخدر ، لأن التدخين هو البوابة الرئيسية لهما ، ومع كل ذلك فإننا ما زلنا نعالج القضية بطريقة بسيطة وسطحية ، فإذا أردنا توعية الشباب والفتيات بأضرار التدخين أقمنا لهم محاضرة أو ندوة ونكتفي بهذا العمل وكأننا عالجنا المشكلة من جذورها ، فالمشكلة تحتاج لأربع وقفات علاجية : الأولى تربوية والثانية قانونية والثالثة سلوكية والرابعة عاطفية ، فأما الوقفة التربوية فإن التربية البيتية أهم سلاح لعلاج هذه المشكلة من خلال (القدوة الوالدية) ، فلو كان أحد الوالدين مدخنا فإنه يزين لأبنائه التدخين من حيث لا يشعر ، وأعرف أحد الآباء المدخنين ظل يخفي عن أولاده إدمانه على الدخان ثمانية عشرة سنة وقد نجح في ذلك .
أما الوقفة الثانية فهي العلاج القانوني والرقابي وذلك من خلال منع بيع الدخان للشباب ، ولعل المصيبة الأكبر أن سعر علبة الدخان عندنا في الخليج أقل من نصف سعرها في الدول المنتجة لها ، وكأن القضية مقصودة لتخدير مشاعرنا وأفكارنا وضياع أوقات شبابنا .
والوقفة الثالثة هي العلاج السلوكي الوقائي من خلال حسن اختيار الصحبة النظيفة لأبنائنا ، ونبدأ بتطبيق هذا المفهوم من الصغر وإذا استطعنا أن نساعدهم في اختيار أصدقائهم وهم صغار فإن ذلك يساعدهم في حمايتهم مستقبلا وكما قيل (الصاحب ساحب) .
والأمر الرابع وهو العلاج العاطفي بأن نعلم أبناءنا كيف يتعاملون مع مشاعرهم وعواطفهم في حالة القلق والتوتر واضطراب المشاعر والحزن والخوف ، وكيف يشبعون عواطفهم ومشاعرهم ويطمئنونها من خلال الذكر والصلاة والدعاء واستشارة الحكماء واللجوء لله تعالى ، فهو فارج الهم وكاشف الضر ونعلمهم هذه المعاني عمليا لا نظريا ونزينها في عقولهم ، فلا نعطي لعقولهم فرصة تزيين صورة السيجارة بأنها هي الحل للمشاكل العاطفية والضغوط النفسية . وقد أعجبني أحد الآباء عندما اكتشف تعلق ابنه بالدخان فأخذه وأجلسه مع مدمن للمخدرات ليحدثه عن تجربته بأن السيجارة كانت هي بوابة الوصول للمخدر ، وقد قال له : يا ابني لا تخطئ نفس الخطأ الذي وقعت فيه فالسيجارة (أولها دلع وآخرها ولع) وقد تأثر كثيرا بهذه الجلسة والله الحافظ .