حوار مع شيخ يطلب حبا !!
في جلسة خاصة مع رجل علم شرعي يعلم الناس الدين ويوجههم إليه ، دار الحوار بيني وبينه حول المشاكل العاطفية التي كثرت في زماننا هذا ، وكأن شعار الحياة للكبار والصغار صار (البحث عن الحب) ، وازدادت هذه الظاهرة أكثر بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعية (فيس ، تويت ، انستوجرام ، كيك) فصار الكبير والصغير يبحث عن الصداقة والحب خارج المنزل أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعية ، ولا يهمه إن وجد حبا صادقا أو كاذبا فالمهم أن يعيش الحب ويسمع كلمات الحب.
وبينما نحن نتبادل أطراف الحديث التفت الشيخ علي وقال : أود أن أصارحك بشيء في نفسي ، فسكتّ ، فقال : ولكني متردد ، فقلت : اطمئن وعبر عما في نفسك حتى تستقر وترتاح ، قال : ولكن الموضوع حساس ومحرج ، قلت له : هل قضيتك عاطفية ؟ قال: نعم ، قلت له : إذن تكلم وخذ راحتك ، فالحب ليس عيبا وإنما هو حاجة فطرية ومشاعر داخلية تدفع الإنسان للعمل والإنجاز والتفاؤل ، ولولا الحب في الحياة لاسودّت الدنيا ومات الناس ، فنظر إلي مبتسما وقال : صدقت ثم قلت له : لا تنظر لنفسك على أنك شخصية معروفة ومرموقة ولكن انظر لها على إنك انسان ، فقال : أنا متزوج ولدي أبناء وملتزم بالفرائض والسنن وأعلم الناس الدين .. ثم سكت ، فسكت معه ثم قال في تردد : صراحة أنا أشعر بأني محتاج للحب ، فابتسمت وقلت له : ولماذا أنت متردد ؟ فطلبك هذا مشروع وليس خطأ ، بل هو طلب فطري ، فنظر إلي وتنفس الصعداء ورفع رأسه ، ثم قال : ولكني أستحيي من نفسي كيف أطلب هذا الطلب والمفروض أن حب الله ورسوله يغنيني عن كل حب !
قلت له : كلامك صحيح فأساس الحب هو حب لله ورسوله ولكن هذا لا يلغي حاجة الإنسان لحب آخر ، ثم إنه ما المانع من أن تستمتع بالحب ويكون حبك منبثقا من حب الله ورسوله ! فالإنسان بحاجة لحب الأوطان وحب الوالدين وحب الزوجة وحب الأطفال وحب الرياضة وحب الترفيه وحب الطعام وحب ممارسة الهوايات.. فهذه كلها حب ولا غنى للإنسان عنها ، ولا تتعارض مع حب الله ورسوله.
ومفهوم الحب عندك غير صحيح ، فأنت خلطت بين الحب الإيماني والحب الإنساني وهناك فرق بينهما ، وإذا تأملت في سيرة النبي الكريم تجده محبا لله ونصرة دينه ومع ذلك قال : حبب إلي من دنياكم ثلاث وذكر منها (النساء والطيب) ، وقد حزن حزنا شديدا على فقد زوجته وحبيبته خديجة رضي الله عنها ، لأن فقد الحبيب من المصائب الكبيرة ، فما المانع من الجمع بين الحبين ؟ ولماذا أنت محرج من التعبير عن مشاعرك ؟ فأنت لم تطلب أمرا خطأ أو مخالفا للفطرة ، بل أنت تطلب ما فطرك الله عليه وهو حاجتك للحب في حياتك.
فالتفت علي وقال : تعرف؟! على الرغم من أني تحدثت عن الحب كثيرا ولكن هذا المعنى في التفرقة بين الحب الإيماني والحب الإنساني لم أفكر فيه سابقا ، قلت له مازحا : وهل تعتقد أن كل ملتزم بالدين لا يحتاج حبا في حياته ؟ وهل الحب بضاعة صممت لغير الملتزمين بالدين ؟ أم الحب بضاعة غير إسلامية ولم تذبح على الطريقة الشرعية ؟ فضحك وقال والله معك حق ، وهذا ما لم أفكر فيه ، فقلت له : إذن عبر عن حبك لمن تحب ، وإذا كنت فاقدا للحب فابحث عمن تحبه ويعطيك حبا ، وإن كان حبك ميتا فأحيه ، فحياة لا حب فيها كجدول لا ماء فيه ، فالحديث عن الحب وطلب الحب ليس حراما طالما أنه كما أمر الله ورسوله ، وأذكر بالمناسبة شيخا انتقد الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لأنه تكلم عن الحب، وقال له: كيف تتكلم بالحب وأنت قاض وعالم ، فرد عليه بكتاب ألفه عنوانه (غزل الفقهاء) ، فلا مانع من البحث عن الحب .. وليس أي حب وإنما هو (الحب الحلال).