دعوة أمي دمرت حياتي
من غرائب القصص التي عشتها أنه دخل علي رجل يوما يشكو من حياته الأسرية والوظيفية ويقول إنه غير موفق في زواجه الأول ولا حتى في زواجه الثاني وأن أولاده لا يحترمونه ولا يقدرونه ويشعر أنه خسر أبناءه كما خسر مشاريعه التجارية التي عمل فيها وقد أغلقت الأبواب في وجهه ويشعر بعدم التوفيق في كل محطات حياته ، فوجهت له عدة أسئلة لأفهم سر عدم التوفيق في حياته فلم يكن متجاوبا معي ولكنه قاطعني قائلا : أريد أن أختصر عليك الوقت وإني أعتقد السبب في فشلي لأني كنت عاقا لوالدتي وذلك بعصيان أوامرها وعدم احترامها بل وضربها أحيانا كما إني قدمت زوجتي عليها وفي كل مرة أدخل عليها اسمعها تتمتم بكلمات تدعو علي فيها ، ثم تنهد وقال : إني أعتقد أن هذا السبب الرئيسي لمشكلتي.
قلت له إن ما تقوله صحيح لأن العقوق هو الذنب الوحيد الذي يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا ولكني أقترح عليك أن تذهب إليها وتعتذر منها وتقبل رأسها فنظر إلي بعين دامعة وقال ولكنها ماتت رحمها الله وما يحزنني أكثر أني لم أحضر جنازتها.
قصة مازلت متأثرا بها ولن أنساها وقد مرت علي مواقف كثيرة في غضب الأمهات ودعائهن على أبنائهن فقد كنت يوما في الطائرة وإذا بأم تصرخ على ابنتها الصغيرة والتي لا تتجاوز الأربع سنوات وتدعو عليها بدعوات من شدتها خفت أن تسقط بنا الطائرة فقمت وكلمتها بهدوء وقد تذكرت حديث رسولنا الكريم ( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ) فالتوجيه النبوي واضح بأن ندعو لأبنائنا بالخير وليس بالشر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ) فضبط الأعصاب مهم وأهم منه التحكم بالألفاظ بأن لا ندعو على أبنائنا فتكون الدعوة سبب دمار حياتهم وفشلهم أو إعاقتهم ، ومن القصص الكويتية الشهيرة أن أما غضبت على ولدها فرفعت يدها للسماء وقالت (عسى ما يتبعك ولد) وقد رزق هذا الولد بست بنات ولم يرزق بولد.
ولكن البديل أن ندعو لأبنائنا دعاء ايجابيا مثل اللهم اهد أولادي وقر عيني بهم وأحفظهم من كل سوء وأعني على تربيتهم اللهم أعزهم وأعل شأنهم وحسن أخلاقهم وارزقهم الصحبة الصالحة وحفظهم القرآن وبعد عنهم رفاق السوء واجعلهم بارين بنا وأرض عنهم اللهم اشرح صدرهم ويسر أمرهم واجعلهم هداة مهتدين بارين مبرورين واعيذهم بك من همزات الشياطين وأذى الماكرين اللهم اجعل أولادي من المؤمنين الصالحين القانتين التائبين العابدين الطائعين الخادمين لدينك اللهم اجعلهم من صالح عبادك وحفظة كتابك ومن أحسن الناس دينا وعبادة وأخلاقا ومن أسعدهم حياة وأرغدهم عيشة اللهم أغنهم بحلالك عن حرامك وبفضلك عمـن سواك
ومن جميل ما سمعت من الدعاء أن إحدى الأمهات دعت لأبنائها بقولها اللهم اجعل لأبنائي جمال يوسف وحكمة لقمان وصبر أيوب وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد قرأت يوما كلاما جميلا للمفسر ابن كثير ملخصه أن الله يخبر عن حلمه ولطفه بعباده وأنه لا يستجيب للناس إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم لأنهم لم يقصدوا إيذاءهم ولكنه يستجيب لهم في حالة رضاهم وهذا من رحمة الله ولطفه بعباده وذلك تفسير قوله تعالي ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) فالنية أثناء الدعاء تلعب دورا مهما في استجابة الدعاء من عدمه ، وأذكر بالمناسبة قصة جميلة لصديق عزيز إمكانياته قليلة ومواهبه ضعيفة وتعليمه بسيط ولكنه مبارك وموفق في جميع أعماله فسألته ما سر نجاحك في الحياة بعملك وأسرتك ؟ فقال بسبب دعوة أمي كلما دخلت عليها لأقبل رأسها دعت لي وقالت (اللهم اجعل رأسه مرفوعا ) وأنا أعيش بركة هذه الدعوة كل لحظة في حياتي وأعرف رجل أعمال من أغنى الأغنياء بالعالم قال لي يوما إن سر ثروتي (بري بوالدي ورضاهم علي ودعوتهم لي) ، بروا آباءكم يبركم أبناؤكم.