قالت : لم أتزوج … فماذا أفعل ؟
قالت: أحزن كثيراً عندما أذهب إلى حفل زفاف وأرى العروس وهي في أجمل حلة، وأفكر في نفسي؛ لأنني حتى الآن لم أتزوج وقد فاتني قطار الزواج واقتربت من الثلاثين عاما، كما أحزن عندما يتحدث أهلي وصديقاتي عن الزواج والأطفال فأجد حسرة في قلبي ونفسي، فأشعر أن عواطفي جياشة ومشاعري قوية وأتمنى أن يكون لدي بيت وأولاد، ثم سكتت برهة، وقالت: لقد مللت من الحياة وتعبت من التفكير وسئمت من الأمنيات.
فقلت لها: أشعر بما تقولين ولكن لدي سؤال غريب!
قالت: ما هو سؤالك؟ فأخرجت ورقة وقلماً، وقلت: ما رأيك أن نعدد نعم الله عليك؟ فاستغربت من سؤالي، ثم تمالكت نفسها، وقالت: أنا أعرف أن نعم الله علي كثيرة ولكن ما أذكره لك أمنية أود أن تتحقق.
قلت لها: أنا لا ألومك على مشاعرك، فعدم الزواج يشعرك بالفراغ العاطفي ولكن الإنسان لا يعرف أين الخير، هل في زواجه أم عدم زواجه؟، والسعادة تختلف من شخص لآخر، والإنسان الإيجابي يصنع السعادة بيده، فالله أكرمنا بقدرات ومهارات ومواهب يمكننا استثمارها لتحقيق سعادتنا بالدنيا، وإني أعرف امرأة كانت تتمنى الزواج والأولاد، ثم تزوجت بعد طول انتظار ورزقت بالأولاد وزيادة على ذلك ورثت مالاً كثيراً من والدها، فجاءتني يوما تبحث عن السعادة، فقلت لها: إن السعيد هو من يستطيع أن يحوّل الألم إلى أمل فيصبح سعيدا، فتأملي من يلتزم بنظام لتخسيس وزنه فهو يحرم نفسه مما يشتهي ويتمنى أن يكون مثل الناس، إلا أن شعوره بالألم يسعد به لما يرجوه من أمل تحقيق الرشاقة في المستقبل، وكذلك الصائم يعيش ألم حرمان نفسه من الطعام على أمل الحصول على الثواب والفوز بدخول باب الريان في الجنة، فكل شخص له طريقته في التعامل مع آلام الحياة التي يعيشها، فبعضهم يعالج ألمه بفعل الحرام، وبعضهم يصبر من أجل نيل الدرجات العليا في الجنة، وبعضهم يجد لنفسه البديل ويصرف طاقته في الخير، فمريم ابنة عمران نذرت نفسها لله وهذه فكرة في التعامل مع آلام الحياة، ثم من قال لك إن كل المتزوجين سعداء وغير المتزوجين محرومون من السعادة؟
إذا أردنا أن نكون عمليين فإني أقترح عليك أن تمسكي ورقة وقلماً الآن وتكتبي ما يسعدك، ثم ضعي خطة لنفسك للانطلاقة في الحياة بعمل مشروع يفيدك في دنياك وآخرتك، فإذا تيسر لك الزواج فبها ونعمت، وإن لم يتيسر فتكوني قد وضعت بصمة لك في الحياة، ولكن المهم أن لا تقفي وتصرفي كل وقتك في علاج هذا الأمر، لأن السعادة الحقيقية في التعامل مع القدر بأن نرضى به وتكون نفسيتنا إيجابية.
فأنا أعرف امرأة لم توفق في الزواج، فوظفت طاقتها في العمل الخيري وأسست وقفا للمرأة ووقفا آخر للطفل، وصار عطاؤها بصمة لها في مجتمعها، وأعرف أخرى جاءتني يوما وتحدثت معي بكلامك نفسه وقد أجبتها بمثل ما قلته لك، والآن هي مؤسسة لأكثر من مركز يهتم بالأطفال، ففرغت عاطفتها في المشاريع الخيرية وأشبعت حبها للأطفال بتعليم الأطفال في المراكز التي أسستها، ثم جاءتني بعد سنوات وهي سعيدة بعملها، فالمجالات كثيرة فاختاري ما يناسبك وانطلقي لوضع بصمة لك في الحياة.
قالت: كلامك أثّر فيَّ، وأنا لم أفكر بهذه الزاوية، قلت لها: هل تعرفين ابن تيمية رحمه الله؟ قالت: نعم، قلت: هل قرأت له شيئا؟، قالت: لا ولكني أسمع اسمه كثيراً، قلت لها: هل تعلمين أنه لم يتزوج؟، قالت باستغراب: معقولة! قلت: نعم، ولكن الذي خلد اسمه العلم، حتى إن الشيخ عبدالفتاح أبو غده رحمه الله ألف كتابا سماه (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج)، قالت: والله فتحت لي آفاقاً لم أفكر بها، قلت لها: وهل سمعت عن كتاب الأربعين النووية؟ قالت: نعم، ولا أظن أحداً لم يسمع به، قلت لها: جمعها الإمام النووي رحمه الله، فقاطعتني قائلة: وهل هذا كذلك غير متزوج؟ قلت لها: نعم، قالت: يكفي ما قلته وأنا سأخطط من اليوم للتركيز في التعليم وعمل المشاريع.
قلت لها: عندي كلمة أخيرة قبل أن تقومي، قالت: ما هي؟ قلت: أنا أعرف أنك تقولين في نفسك أن هذا الرجل الذي أمامي تكلم معي في العلم والمشاريع، وتجاهل أني امرأة ولدي حاجات نفسية وعاطفية تطلبها كل امرأة في العالم، وأنا أجيبك على خواطر نفسك بأني لم أتجاهل ذلك، ولكنك باستطاعتك تعويض هذا بالعمل الاجتماعي والخيري، وأن تستمري في الدعاء لييسر الله لك أمنيتك، قالت: سأفعل ذلك.
قلت لها: واتركي موضوع الزواج لله مع استمرارك بالدعاء، فإني أعرف امرأة تزوجت زواجها الأول وعمرها 48 سنة، فكوني متفائلة وإيجابية وأريد منكِ إذا ذهبتِ إلى حفل زفاف أن تقولي عسى الله أن يبارك في العروس وأن يوفقني في تحقيق أمنياتي.