كيف تعيش سعيدا بحياتك ؟ّ!
رجل ورث الملايين ولكنه لا يشعر بطعم السعادة فكان يشتكي أمامي من الملل في حياته ، مثل هذه الشكوى سمعتها كثيرا من أشخاص مختلفين ، سمعتها من أرملة توفي زوجها ومن مطلقة تشعر بالفراغ بعد طلاقها ، ومن أعزب لم يوفق بزواجه ، ومن أغنياء وفقراء وكبار وصغار ، فكنت أتسائل من منا تعلم كيف يعيش سعيدا ؟
فهل تلقينا تعليما حول مهارات الحياة السعيدة في مدارسنا أم في بيوتنا أم من الكتب المترجمة في المكتبات والتي تتحدث عن السعادة أم من الدورات التدريبية وورش العمل ؟ أم أننا خرجنا إلي الدنيا وكل واحد منا يخوض تجاربه الخاصة في عالم السعادة علي أمل أن يصل لنتيجة تحقق له طموحه ؟
أعرف امرأة إذا أرادت أن تسعد نفسها ذهبت للسوق وصرفت أموالها فتشعر بسعادة في تلك اللحظات ، وأعرف رجلا كلما شعر بحزن سافر يومين أو ثلاثة أيام فيشعر بالسعادة ، فهل هذا هو مفهوم السعادة ؟ وهل ممكن أن يعيش الإنسان سعيدا وهو يعاني من مشاكل صحية أو مالية ؟ وهل نحن ينبغي أن نصنع السعادة أم هي تأتي إلينا ؟ وهل السعادة لها وقت محدد أم ممكن أن تكون مستمرة ؟ هذه الأسئلة كانت ولا زالت تراودني عندما يطرح علي سؤال كيف نعيش سعداء ؟
بعد هذه الأسئلة نذكر لكم تصنيف ابن القيم للسعادة وهو تصنيف جميل ومريح ويجيب علي كل التساؤلات السابقة في كتابه مفتاح دار السعادة ، ويعنى (بدار السعادة) الجنة وتحقيق رضى الله تعالى ، فيقسم السعادة إلي ثلاثة أقسام : الأول سعادة خارجية عن ذات الإنسان مثل سعادة المال أو ما يعيشه الإنسان بالحياة من أمور تسعده من خلال ممارسة هواية أو عمل يسعده ، فيصف هذه السعادة بأنها مستعارة ومؤقته لأنها لا تستمر كثيرا ، فمن يرث المال سيكون سعيدا لفترة محددة ثم يتعود عليه ويبحث عن السعادة في شيء آخر ، وإذا زال السبب الخارجي مثل الخسارة المالية أو أن يصاب الإنسان بمرض أو يبتلى بمصيبة فإنه قد يصرف ما جمعه من مال لعلاجه أو لزوال المصيبة ، فإن السعادة عند هؤلاء تذهب وتزول
أما السعادة الثانية فهي السعادة في الجسم والبدن والصحة واعتدال المزاج وتناسب الأعضاء وحسن اللون البشرة وقوة الأعضاء وصلاحها ، وهي سعادة مرتبطة بالشكل والمزاج ، ولهذا كثير من الناس يغير من شكله أو يصرف من وقته لتعديل مزاجه فيعتقد أنه سيشتري بهذه التغييرات سعادة أبدية ، وأذكر أن امرأة دخلت إلي مكتبي تشتكي من عدم سعادتها من شكلها وحياتها وقد عملت أكثر من عشر عمليات تجميل لجسدها ووجهها وإلي الآن لا تشعر بالسعادة ، وشاب طويل وعريض دخل علي يوم وكل جسمه عضلات منتفخة وهو يبحث عن السعادة الشكلية ولم يصل إليها علي الرغم بأنه صمم جسمه كما يريد
أما السعادة الثالثة وهي التي سماها ابن القيم بالسعادة الحقيقية وهي السعادة النفسانية والروحية والقلبية ، وهي السعادة الدائمة التي تبدأ مع الإنسان وتستمر معه حتى بعد وفاته ، وتكون من خلال (العلم النافع) الذي يكتسبه فيتعلم عدة أمور منها محبة الله ورسوله ، وكيفية الإيمان بالقضاء والتعامل مع القدر خيره وشره ، وكيفية التعامل مع محن الحياة ومصائبها ، فتكون هذه المعاني مصاحبة للإنسان في كل أحواله سواء كان نحيفا أو سمينا ، وسواء كان غنيا أو فقيرا ، وسواء كان في اسرة مستقرة أو مفككة ، فيكون سعيدا علي الرغم من تغير الظروف وتبدلها بحياته طول عمره سواء كان في دار الدنيا أو دار البرزخ أو الدار الآخرة
وهذا المعنى للسعادة والتقسيم له هو الذي تحدث عنه أكثر الخبراء والعلماء الذين يهتمون بسعادة الدارين ، سعادة الدنيا والآخرة حتي أن المنفلوطي لديه وصف جميل للسعادة ذكره في كتابه النظرات قال: إن الناس جميعاً إنما يطلبون سعادة الأجسام لا سعادة النفوس ، فمثلهم كمثل الدفين المكفن بالحرير والديباج وباطنه مسرح ومرتع الهوام والحشرات ، فلنهتم بجمال الداخل قبل الخارج وبسعادة النفس والروح قبل الجسد