ليس كل رجل يصلح للتعدد
عشت قصصا كثيرة في تعدد الزوجات ورأيت اختلاف ردود الأفعال من قرار التعدد ، فأما الزوجات فمن ردود أفعالهن أن إحداهن رفضت التعدد جملة وتفصيلا وطلبت الطلاق وذهبت إلى بيت أبيها عندما علمت بزواج زوجها من الثانية . والحالة الثانية أن زوجة قبلت زواج زوجها من أخرى على مضض ولكنها قالت له لا تقربني ولا تنم معي في الغرفة نفسها ، وظلت هكذا لمدة سنوات . وأما الثالثة فهي التي خطبت لزوجها عندما أبلغها برغبته بالتعدد وقالت له حتى لا تحضر ضرة لا تناسبني وتنكد علي عيشتي وقد دعاني هذا الرجل للعشاء في بيته والتقيت بزوجتيه وكان صادقا . وأما الحالة الرابعة فزوجة هددت زوجها بأنها ستبدأ بعلاقات عاطفية مع رجال لأنه تزوج بأخرى وذلك انتقاما منه . والخامسة قبلت التعدد بصمت ثم أقنعته أن يتزوج ثالثة حتى تقهر الثانية كما قهرتها . والسادسة تظاهرت بأنها لم تعلم بزواجه وسكتت ولم تحدث زوجها بذلك واحتسبت أجرها على الله واستمرت عشرين عاما ولما سألتها عن سبب صمتها قالت أريد أن أحافظ على بيتي . والسابعة ذهبت إلى لمحكمة ورفعت عليه دعوى بكل ما كان مقصرا في حقها من نفقة وسكن لها ولأولادها . والثامنة كلمت أهل زوجها وأمه حتى ضغطوا عليه ليطلق الثانية وقد طلقها فعلا.
وأما ردود أفعال الرجال فهي مختلفة فالأول بعدما تزوج ثانية وذهبت الأولى لبيت أبيها طلقها مباشرة. والثاني ظل لا يتحدث مع زوجته لمدة سنة كاملة لأنها رفضت زواجه الثاني . وحالة ثالثة تدخلت لإصلاحها طلق الرجل فيها الأولى والثانية في الوقت نفسه لأنه لم يتحمل مشاكلهما واختلافهما . والرابع بذل محاولات لإقناع الأولى وقبولها فرفضت فضحى بالثانية وطلقها . والخامس تزوج ثالثة حتى يسعد الأولى . والسادس اعتزل الزوجتين وتركهما . والسابع اتخذ قرارا بأن يتزوج بالسر حتى لا يضايق الأولى ويسعد الثانية.. وحالات كثيرة ومتنوعة..
كما أعرف الكثير ممن ندم على الزواج بالثانية ، وآخرها منذ يومين تدخلت لإرجاع علاقة بين زوجين بعد انقطاع دام أكثر من خمس سنوات بسبب تعدد الزوجات . وقصة أخرى منذ أسبوع كانت عندي بالمكتب امرأة تترجاني أن أقنع زوجها أن يتزوج من ثانية وفعلا طلبت الرجل وأحضرته إلى مكتبي وأقنعته بأن يتزوج ثانية لأسباب لا أستطيع ذكرها في هذا المقال وفعلا تزوج ثانية وارتاحت زوجته الأولى منه.
ولدي حالات كثيرة أعرف أني لو كتبتها بالمقال فلن يصدقها القارئ من مواقف للرجال والنساء في التعدد بل إن امرأة دخلت علي مرة تطلب مني أن أقنع زوجها بأنها هي تريد أن تعدد كردة فعل على زواجه الثاني وكان موقفا طريفا ، فجلست أشرح لها عدم إمكانية ذلك لعدة أسباب منها اختلاط الأنساب وهدم مبدأ القوامة في الأسرة وغيرها من الأسباب.
ولكن الملاحظ في الحالات التي تعرض علي أن الغالب فيها بعدما يقع (الفاس بالراس) يسألون كيف نعالج الموضوع ،علما بأن هناك حلولا واقتراحات كثيرة يمكن التخطيط لها بطريقة تحقق أقل الأضرار لأن القضية ليست سهلة وتحتاج لمهارة عالية في تجاوز الموقف ، كما أنه لا يوجد قانون واحد نتعامل به مع كل حالات التعدد فكل حالة لها ظرفها الخاص وخاصة في المجتمعات الرافضة للتعدد ، ولو استعنا بأهل الخبرة قبل اتخاذ القرار أو اطلعنا على تجارب الآخرين ، فإن ذلك سيساعدنا على تحقيق الاستقرار الأسري ، كما أني أتمنى لو تم تدريب كل متزوج على منهج (مهارات إدارة الأزمات العائلية) فإن ذلك سيساعدنا في حفظ الأسرة واستقرارها.
ولعل من غرائب ما رأيت أن بعض النساء والرجال يفضلون ارتكاب الحرام والخيانة بدلا من التعدد . وأذكر بالمناسبة أني زرت صديقا في النمسا متزوجا من ثلاث زوجات أوربيات وهن راضيات بالتعدد ، فسألتهن عن رضاهن فقلن لي إن التعدد الذي نظمه الإسلام خير لنا من تعدد العشيقات والخيانات على الطريقة الأوربية . فالمسألة إذن ليست واحدة وكل شخص ينظر للتعدد بطريقة مختلفة ما بين مؤيد ومتحفظ ومعارض على الرغم من أنه حق شرعي للرجل ولكن نقول لمن يرغب بالتعدد لا تستعجل ولا تفكر بنفسك فقط ، بل ادرس المشروع جيدا واعرف أبعاده الزوجية والتربوية وتعرف على الخسائر والأرباح الاجتماعية ، واحرص على تحقيق العدل واجتناب الظلم إذا عزمت ، فليس كل رجل يصلح للتعدد كما ليس كل امرأة تصلح للتعدد .. فلنتأمل ذلك.