متدينون أخطؤوا في تربية أبنائهم
قال وبحسرة تعتصر قلبه والدموع تتحدر من عينيه: أتمنى أن أخشع في صلاتي وأن أبكي فيها مثل المصلين الذين سمعت بكاءهم خلف الإمام في ليالي رمضان ، ثم تابع حديثه قائلا: نحن ثلاثة أخوة في البيت وأنا أوسطهم وكان والدي يضربنا من أجل الصلاة وهو شديد علينا ، وأذكر أنه كان يوقظنا لصلاة الفجر بالضرب ونحن نيام ، وكنا نقوم من نومنا فزعين خائفين وكأننا في فيلم مرعب ، نذهب معه لصلاة الفجر أنا وإخواني من غير وضوء خوفا منه ، ومازلت حتى الآن عندما أذهب للصلاة أشعر بالكراهية من شدة الضرب الذي تلقيته من والدي .
وقصة أخرى يقول لي صاحبها إن والده كان يناديه كل يوم ويأخذ هاتفه ليراقب ما فيه ويسأله هل فيه صور مخلة بالأدب أو أفلام سيئة ، يقول وكنت أجيبه بأنه لا يوجد وأنا صادق، ولكنه لا يصدقني ويفتش هاتفي ويأخذه عنده ليراقبه ، فلما رأيته يعاملني بهذه الطريقة صرت أهتم بالصور الخليعة والأفلام الجنسية الفاضحة ، عنادا مني لا حبا بهذه الأمور وبدأت أسلك سلوكا منحرفا ومازلت حتى هذه اللحظة .
وقصة ثالثة لفتاة صارت تتواصل مع شباب تتبادل الصور والأفلام معهم من خلال الهاتف والنت ، ولما سألتها عن السبب في ذلك ، ردت علي بقولها إن هذا التصرف عبارة عن ردة فعل لتصرفات والدتها تجاهها ، علما بأن أمها متدينة وتعطي دروسا ومواعظ دينية إلا أنها دائمة التجسس على كمبيوترها وجوالها ، ولا تثق بابنتها ولا تصدق كلامها .
وقصة رابعة لرجل تجاوز الثلاثين من عمره قال لي بحسرة: إني أدخن بشراهه وذلك بسبب والدي ، فاستغربت من كلامه وقلت له كيف ذلك ؟ فقال لي لما كنت صغيرا وكان عمري اثني عشر عاما كان عندي أصدقاء يدخنون ، وأنا أجلس معهم ولكني لا أدخن ولا أحب التدخين ، فلما أرجع إلى البيت يشم أبي رائحة الدخان في ملابسي فيضربني ضربا مبرحا وينهاني عن التدخين ، وأنا أقول له صدقني أنا لا أدخن ولكن أصدقائي يدخنون ، ولكنه لا يصدقني علي الرغم من كثرة محاولاتي إقناعه ، فاتخذت قرارا بأن أبدأ بالتدخين طالما أني أضرب كل يوم ووالدي يستوي عنده الصدق والكذب ، والآن تجاوز عمري الثلاثين عاما وأنا مستمر بالتدخين وأنا له كاره .
هذه نماذج عشتها وشاركت في علاجها ولم يحدثني أحد بها ، والقاسم المشترك فيها هو حرص الآباء على تربية الأبناء التربية الدينية ، وهو هدف نبيل وجميل وكلنا نتمناه وننشده إلا أنهم استخدموا وسائل تربوية خاطئة بسبب جهلهم التربوي أو فقرهم لثقافة التدرج والمرونة والصبر عند غرس القيم الدينية ، وهذا خلاف المنهج النبوي القائل (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ومتين أي واسع وقوي وعميق.. وهذه المعاني تحتاج منا عند غرسها في أبنائنا إلى رفق ولين وصبر ، ولا ينفع معها الضرب والعنف والغلظة ،
فليس الهدف أن نجعل أبناءنا يمارسون العبادات شكلا فقط ، وإنما المقصود أن يمارسوها بحب وشوق ، ولهذا فإن أكبر تحدٍ في التربية الدينية هي كيفية الجمع بين حرص أبنائنا على الصلاة والعبادات مع الحب لأدائها والمحافظة عليها، وهذا هدف يحتاج إلى فن ومهارة تربوية .
إن ما ذكرناه من قصص واقعية عن ضحايا للتربية الدينية الخاطئة متكررة في بيوت كثيرة ، وأساس هذه النتائج السلبية هي التربية بمنهج (الغلظة) وهو ما حذر منه الله تعالى رسوله الكريم في قوله (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ولهذا نجد أبناءنا اليوم ينفضون من حولنا ، والكل ينادي ويصرخ : كيف نجعل أبنائنا يسمعون كلامنا أو يطيعون أوامرنا !
والجواب بسيط والمعادلة سهلة ، وهي أن نعطيهم الأمن والأمان ولا نتجسس عليهم ونعاملهم باحترام ورفق ونصدقهم إذا تحدثوا ونحسن حوارهم ، ففي هذه الحالة يعطوننا الطاعة والإستجابة والإحترام ، بينما لو عاملناهم بالغلظة والضرب فقد ننجح ونفرح باستقامتهم وصلاحهم المؤقت ونحن نظن أنه صلاح دائم ، ولكننا نكون قد حطمنا ذاتهم ودمرنا سلوكهم وقيمهم من حيث لا نشعر ونظن أننا نحسن صنعا .