مشكلة زوجية انتهت بعد 35 سنة !
(خطبة سريعة ، وزواج سريع ، وتربية سريعة ، وطلاق سريع ) كل شيء في هذا الزمن صار سريعا فالسفر سريع ، والوجبات سريعة ، والتعليم سريع ، والاتصالات سريعة ، والنت سريع ، فصرنا نعيش من الصباح إلى المساء في سرعة وسرعة وسرعة ، حتى صلاتنا وأذكارنا وعبادتنا صارت سريعة ، وقد ذكر النبي عليه السلام من علامات آخر الدنيا (تقارب الزمان) وكنت أفهم التقارب سابقا بسبب التطور التكنولوجي الذي أسهم بتقريب المسافات ، ولكن هل يشمل هذا الحديث أيضا السرعة التي نعيشها في المجال الأسري والتربوي حتى صار الصابر والحليم اليوم عملة نادرة !!
هذه مسألة تحتاج إلى بحث ، والذي دفعني للتفكير في هذا الموضوع كثرة المشاكل التي تعرض علي ويريد أصحابها حلا سريعا على غرار الوجبات السريعة ، وأنا أحاول جاهدا أن أشرح لهم أن المشاكل التربوية والزوجية تحتاج وقتا حتى تتم معالجتها ، وقد عرضت علي أم منذ يومين مشكلة ابنها المراهق فقلت لها : إن هذه المشكلة تحتاج لخطة علاجية مدتها سنة على الأقل ، فقالت لي : أليس لديك حل سريع نعالج المشكلة خلال ساعتين ؟ فابتسمت وقلت لها : أنا لست ساحرا ولا أملك معجزة ! فالتعامل مع الأولاد وعلاج مشاكلهم يحتاج لثلاث قواعد ذهبية (صبر وتخطيط ودعاء)..
وزوج كلمني يريد حلا سريعا لعلاج مشكلة زوجية فابتسمت له وقلت : أنت لا تتعامل مع آلة بل مع إنسان مخلوق من طين وليس من حديد ، وحتى تعالج مشكلتك تحتاج لثلاث قواعد ذهبية (صبر وتخطيط ودعاء) ، فكثير من المشاكل التربوية والزوجية تحتاج لوقت حتى تعالج ، ومن قطف الثمرة قبل أوانها لم يستمتع بجمالها ولا بطعمها ، فنحن نتعبد الله بالصبر على الإبتلاء سواء كان هذا الابتلاء مرضا أم مشكلة زوجية أو تربوية .
فأي مشكلة تواجهنا ينبغي أن نراها من زاويتين : الأولى دنيوية والثانية أخروية ، وهذا هو منهجنا الذي علمنا إياه نبينا الكريم ، فقد جاءت للنبي الكريم جارية كانت تصرع (وسألته أن يدعو لها بالشفاء فقال : إن أحببت أن تصبري ولك الجنة وإن أحببت دعوت الله أن يشفيك فقالت : بل أصبر ، ولكني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها ألا تتكشف ) ففي هذه الحادثة قدم لها النبي الكريم خيارين (الأول الصبر ولها الجنة) والثاني (العلاج السريع للمشكلة) ، فاختارت الصبر مع إضافة شرط لحماية نفسها وستر جسدها .
إن هذا الحديث يعتبر منهجا لنا في التعامل مع مشاكلنا التي تواجهنا ، وفيه فوائد عظيمة منها : أولا أنه ليس كل مشكلة يصلح معها الحل السريع ، ثانيا أن الصبر أساس لعلاج أي مشكلة تواجهنا ، ثالثا لا ينبغي أن نغفل الرصيد الأخروي عن كل مشكلة تواجهنا في الحياة فما عند الله خير وأبقي ، رابعا أن للمسلم أن يختار الصبر وتحمل المشاق والأذى طالما أن هذا الطريق يوصله للجنة والثواب العظيم ، فالصبر يعتبر مفتاح الفرج ، ومن الأمثلة الجميلة لتقريب ثواب الصبر (لو أن ملكاً قال لرجل فقير : كلما ضربتك بهذا العود اللطيف ضربة أعطيتك ألف دينار , لأحب الفقير كثرة الضرب , لا لأنه لا يؤلم , ولكن لما يرجو من مكافأة بعد الضرب وإن آلمه الضرب ، فكذلك الصابر علي الابتلاء والمشاكل عندما يطلب الثواب يهون عليه البلاء)
ورسالة أقولها لكل مستعجل في علاج مشاكله الأسرية : لا تستعجل في العلاج ، فكم من مشكلة أنا شخصيا دخلت في علاجها وكنت أرى اليأس في وجوه أصحابها ولكن الفرج جاءهم بعد طول انتظار . أعرف زوجا مدمنا على المخدرات استمرت زوجته تعالجه لمدة 22 سنة ثم ذاقت حلاوة التعب والصبر . وزوج آخر صبر على عدم إنجاب زوجته لمدة 12 سنة ثم رزقهما الله الولد . وزوجة ثالثة صبرت على خيانة زوجها لمدة 8 سنوات ثم استقام زوجها . وزوج رابع صبر على زوجته المهملة لبيتها وأولادها لمدة 5 سنوات ثم بدأت تهتم ببيتها وأولادها . وختاما فإني أعرف زوجة صبرت على زوجها الذي كان يشرب الخمر لمدة 35 سنة ثم ترك شرب الخمر … فلنتأمل!