هذا ما تعلمته من طلاقي
غالبا عندما أستمع لمن يشكو من تجربته مع الطلاق أحاول بعد الاستماع أن أطرح عليه سؤالا واحدا ، وهو (ما الذي تعلمته من تجربة الانفصال ؟ ) ، فكان بعضهم يستغرب من سؤالي ، إلا أنه بعد النقاش والحوار معهم يشعرون باطمئنان وراحة نفسية ، وخاصة بعدما يتأملوا الجوانب الخيرية في هذا الحدث ، حتى قال لي أحدهم يوما مازحا : (جعلتني أرى الانفصال من نعم الله علي) ، فقلت له : نحن لا نشجع على الطلاق ولا نريد أن نزين لك الانفصال ، ولكن لو حصل الطلاق لأمر ما ، فلابد من أن نكون إيجابيين في التعامل معه ، وقد جمعت بهذا المقال إجابات المطلقين عندما وجهت إليهم سؤالي عما تعلموه من تجربة الطلاق ، وقد تكون بعض الإجابات غريبة ولكنها زاوية في التفكير والنظر لا بد أن ننظر من خلالها حتى نرى المحن منحا ، ونرى الابتلاء بابا للخير قد فتح لنا.
وسأترككم الآن مع كلام المطلقين فيما تعلموه من تجربة الطلاق ، قال الأول: أنا تعلمت من طلاقي أن أتحمل مسؤولية قراراتي في الحياة ولا أعتمد على غيري في تحمل مسؤولية قراراتي ، وقال الثاني : أنا تعلمت أن لا أستغني عن أهلي حتى لو كنت سعيدا في زواجي وعائلتي ، وقال الثالث : أنا تعلمت أن أضع أملي في الله أكثر من أن أضعه لدى الناس ولو كانوا قريبين مني ، وقالت الرابعة : أنا تعلمت أن أبنائي عندما يبتعدون عن أبيهم يتربون تربية أفضل ، لأنه كان مصدر خوف ورعب وعدم أمان واستقرار لهم فلما انفصلنا شعروا بالأمن والأمان ، وقالت الخامسة : أنا تعلمت كيف أتعامل مع مشاعر الناس التي تنظر لي بخوف وترقب وكأني أحمل مرضا معديا ، فهم يخافون مني ويرتابون من أخلاقي ويتعاملون معي بحذر وأحيانا بعض الزوجات يخشين أن أخطف أزواجهن ، وقال السادس : أنا تعلمت أن الدنيا متقلبة ، وأنها ليست دار قرار وأمان وإنما القرار والاستقرار في الآخرة.
وقال السابع : أنا تعلمت كيف أتعامل مع مشاعر الغضب والكراهية التي شعرت بها لحظة الطلاق ، وقال الثامن : أنا تعلمت أن لدي قدرات ومواهب ممتازة لأني لم أكتشف نفسي إلا بعد الطلاق ، وقد استثمرت نفسي بعمل مشاريع وبرامج تحقق ذاتي وأخدم مجتمعي ، وقال التاسع : أنا تعلمت أن المحن التي يمر بها الإنسان يتعرف فيها على أصدقائه المخلصين أو الذين يركضون وراء مصالحهم ، وقال العاشر : أنا تعلمت أن أركز على أعمال ومشاريع في حياتي تفيدني في آخرتي ، فقد كنت منشغلا بالدنيا كثيرا والطلاق جعلني أعيد أوراق حياتي ، وقال الحادي عشر : أنا تعلمت الصبر والمصابرة ومجاهدة النفس والتحكم بالذات ، وكان الانفصال فرصة لي لقراءة كتب تهذيب النفس والدخول في دورات تنمية الذات والنفس.
وقال الثاني عشر : أنا تعلمت كيف أرشد غيري وخاصة الذين يمرون بنفس تجربتي ، حتى صرت مصدرا لإسعاد الآخرين ، وقال الثالث عشر : أنا تعلمت كيف أرتب حياتي وأهدافي وأهتم بصحتي وعقلي وعلاقاتي ، وقد تابعت تعليمي بعد الطلاق والآن في طريقي للحصول على الدكتوراه ، وقال الرابع عشر : أنا تعلمت أن بعض العلاقات لابد وأن يكون لها تاريخ نهاية إلا علاقتنا بالله تعالى ، وقال الخامس عشر : أنا كنت أعيش في أحلام دنيوية وخيال ، وبعد الطلاق تعلمت أن الحياة الحقيقية ليست هذه التي كنت أراها ، فقويت علاقتي بربي وبدأت أتعمق بالدين أكثر وشعرت براحة وأنس بالقرب من الله تعالى.
فهذه كانت إجابات المطلقين بعدما فاجأتهم بسؤالي عن الذي تعلموه من وراء هذا الحدث ، وكانوا في البداية لا ينظرون لأي خير أو بصيص أمل في الحدث ، وينظرون للطلاق وكأنه نهاية العالم ، إلا أن هذا السؤال المفاجئ غيّر نظرتهم للانفصال وصاروا يرون الجانب الخيري فيه ، ولهذا قال رسولنا الكريم (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ) ، فهذا ما يمتاز به المؤمن فهو يمتلك النظرة الإيجابية في الحدث المؤلم ، ويمتلك النظرة التفاؤلية في الحدث المحزن ، ويمتلك النظرة الخيرية فيما فيه شر ، حتى لو كان الحدث هذا في ظاهره طلاقا وانفصالا وتفككا أسرة فقد يكون في باطنه خير كثير .
أعرف امرأة كانت مكتئبة بسبب طلاقها وكنت أحاول أن أوجه نظرها للخيرية في الطلاق ولكنها رفضت هذا المنطق ، وتمر الأيام فتكتشف الخير كله عندما علمت أن طليقها كان تاجرا للمخدرات فصرف الله عنها وعن أولادها السوء ، وكانت هي قد أكملت تعليمها وحصلت على شهادات عليا وقد أكرمها الله بزوج طيب وخلوق ومتدين تزوجها بعدما تجاوز عمرها الأربعين عاما ، ثم جاءتني مرة أخرى وقالت : نعم إن الطلاق كان خيرا لي.
فأحداث الحياة تحتاج لنفس مطمئنة ونفسية متفائله ، وأفضل تكنيك للتعامل مع القدر الذي يؤلمنا أن ندفعه بقدر آخر يفرحنا ، مثلما قال ابن القيم رحمه الله في دفع القدر بالقدر (مثل دفع العدو بقتاله ، ودفع قدر المرض بقدر التداوي، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة ، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان ) وكذلك دفع قدر وقوع الطلاق بقدر الانطلاقة بعده ، ورؤية إيجابياته واستثمار حسناته.