هذه ثلاثية السعادة .. لا تفوتك
بدأ حديثه معي بقوله : أنا أعيش حياة مترفة ومرفهة فلدي كل ما يتمناه الآخرون ، فأنا أملك سكنا خاص وسيارة خاصة وأعيش مع أهلي ولدي وظيفة مرموقة وراتب مريح ودخل إضافي ممتاز ، كما أني أملك شخصية اجتماعية جيدة والناس تحبني ، ولكن على الرغم من ذلك كله ، فأنا لست سعيدا ولا أعرف السبب في عدم سعادتي !
فالتزمت الصمت ولم أتكلم ، ثم نظر إلي وقال : فكرت كثيرا في الأسباب ولم أعرف سبب عدم سعادتي في الحياة ، حتى الدين جربته وصرت متدينا فترة من حياتي فحافظت على صلاتي وصيامي ولكني ما زلت أشكو من عدم سعادتي ، فهل لديك تفسير لذلك ؟ فنظرت إليه وقلت لنفسي : ألتزم الصمت كذلك حتى يتكلم أكثر لأن الفضفضة والكلام جزء من العلاج ، ثم ضرب بيده على المكتب وقال : لقد يئست من الحياة وأشعر بأنها سخيفة وصرت أعتزل الناس وأبتعد عنهم بسبب مشاعري هذه التي حدثتك عنها ..ثم سكت سكوتا طويلا..
فقطعت صمته بقولي : دعني أشرح لك شيئا مهماً ، إن ما قلته كله وما تمتلكه من مال ومنصب وعائلة وعلاقات اجتماعية وممتلكات ثمينة كلها نحن نسميها (إكسسوارات الحياة) ، فهذه لا تعطيك السعادة ولكنها تسهم في سعادتك لو كان عندك مشروع يقودك للسعادة ، فاستغرب من كلامي وقال لي : وماذا تقصد من مشروع السعادة ؟
قلت : حتى تكون سعيدا لابد أولا وقبل كل شيء أن تمتلك (ثلاثية السعادة) ، وهي أولا : الاهتمام بذاتك وجسدك وثانيا : الاهتمام بروحك وثالثا : الاهتمام بعواطفك وعلاقاتك ، قال : وكيف ذلك ؟ قلت له :
أما ذاتك ونفسك فأول خطوة ينبغي أن تقوم بها أن يكون لك هدف في الحياة تعيش من أجله وتسعى لتحقيقه ، وهو الذي يعطي للحياة طعما ومعنى ، فشعور الإنسان بالملل والضيق والرتابة يكون بسبب عدم وجود هدف أو تحدٍ يسعى لتحقيقه ، فجمال الدنيا بالتحدي والإثارة والسعي لتحقيق النجاحات ، ومن الاهتمام بذاتك أن تعطيها حقها من الراحة والنوم وممارسة الرياضة والتأمل ، فكل ذلك يسهم في سعادتك.
أما الاهتمام بروحك فارتباطك بالله تعالى بالصلاة والذكر واللجوء إليه وقت المحن ، يعطيك قوة ويقينا وثباتا في الموقف ، وشعورا بالرضى والسعادة وخاصة عندما يزداد إيمانك بخيرية القضاء والقدر.
أما الاهتمام بعواطفك وعلاقاتك فنعني بها أن نحسن إدارة مشاعرنا فنعبر عنها بطريقة صحية ، ففي الغالب عندما نشعر بعدم الرضى من أنفسنا يكون ذلك بسبب علاقة خاطئة أو تصرف خاطئ لنا مع الآخرين ، فلنحافظ على مشاعرنا لأنها غالية فلا نحرقها بالعصبية أو الانتقام أو الإحباط وإنما نصرفها بالحب والمسامحة والمغفرة ، أما العلاقات الاجتماعية فإدارتها ليست سهلة والمحافظة عليها صعبة ، وخاصة عندما ندخل في خلاف مع صديق أو قريب وكل واحد منا يريد أن يثبت صحة موقفه فتتعالى الأصوات ويزداد العناد ، فإذا خرجنا من هذه الحالة بسلامة صدر واستمرار المودة والعلاقة ، فحينها نكون ناجحين اجتماعيا.
ثم سكت قليلا وبادرته قائلا : بعدما تحقق هذه الثلاثية عندها لو كان عندك منصب أو مال أو أصدقاء أو عائلة فستسهم في زيادة سعادتك لأنك نجحت في التعامل مع (ذاتك وروحك وعواطفك) ، أما من يهمل هذه الثلاثية ويطلب من الآخرين أن يسعدوه فإنه لن يجد طعم السعادة.
قال : إن الثلاثية التي تحدثت عنها أراها هي الإطار لكل ما يملكه الإنسان لتحقيق سعادته بالدنيا ، قلت له : نعم هذا صحيح ، ولو طبقت ما قلته لك فإن كل يوم جديد تعيشه سيكون بالنسبة لك فرصة لتغيير حياتك نحو الأفضل ، ولا يكفي أن يكون لديك حلم أو طموح للسعادة ولكن لا بد من وجود إيمان ومعتقد بأنك لا بد أن تفعل شيئا ، فذاتك تحركك وعاطفتك تدفعك وعلاقاتك تساعدك لتحقيق النجاح والسعادة التي تتمناها ، فهذه ثلاثية السعادة فلا تفوتك ، فابتسم وقال : من الآن سأبدأ بها وسأضع هدفا في حياتي لأسعى لتحقيقه وشكرا لك على هذه الثلاثية الجميلة ، فقلت له : اعلم أن سعادتك من صنع يديك لا من صنع الآخرين.. والسلام.