كيف أحمي ابني من ثلاثي التطرف ؟
قال : كيف أجعل ابني صالحا محافظا علي صلاته ، بارا بوالديه يهتم بشأن المسلمين ويساعدهم ؟ قلت : أنت تسأل عن أمنية عظيمة يتمناها كل الآباء والأمهات ، وحتي تحقق هذه المعادلة الرباعية (ولد صالح ، محافظ علي صلاته ، بارا بوالديه ، يخدم المسلمين) تحتاج لأمرين : الأول أن تتابع طفلك تربويا وتغرس فيه هذه القيم الرباعية من صغره إلي أن يكبر ، والأمر الثاني أن تكون أنت قدوة حسنة له فيشاهدك أنت انسان صالح ، ومحافظ علي صلاتك ، وبارا بوالديك ، وتخدم المسلمين ، لكن أن تتمني أمرا ولا تسعي له ، أو أن لا تكون أنت أول من يحقق أمانيك ويعمل بها فلا تتوقع أن يكون ابنك كما تريد
قال : ولكن التربية الدينية التي نتمنى تحقيقها اليوم صارت صعبة جدا ، خاصة مع تغير طبيعة الحياة التي نعيشها ، فقد ينشأ الطفل في بيت صالح ولكن ليس بالضرورة أن تكون العائلة كلها صالحة ، فيتأثر بسلوكيات أبناء عمه أو خالته أو أقربائه ، أما المدرسة فهي تحدي آخر لا نستطيع السيطرة عليه وخاصة إذا ارتبط الابن برفقة سيئة غير متربية ، وإذا نجحنا في ضبط المناخ العائلي والمدرسي فلا نضمن أن ننجح في التحكم بتأثير الأجهزة والوسائل التكنولوجية ، وإذا تجاوزنا هذا كله يأتيك تحدي جديد لم نكن نتوقعه يوما ما ، وهو أننا صرنا نخاف أن يصادق ابننا زملاء ملتزمين بالدين من كثرة ما نسمع ونشاهد من أفكار خاطئة وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين ، حتي زوجتي صارت تخاف أن يذهب ابني لوحده للمسجد !!
قلت له : ولماذا هذه الخوف عند زوجتك ؟ قال : لأنها تتابع الأخبار دائما وتقرأ الجرائد ، وكل يوم تقرأ قصة أو تشاهد خبرا مضمونه أن بعض الجماعات التي فهمت الإسلام فهما خاطئا تستقطب الشباب الصغار لتجندهم لمصالحها وتحقق أهدافها الخاصة باسم الإسلام ، فصار الواحد منا يخاف من أن يذهب ابنه للمسجد فيتطرف ، أو يتعرف علي شلة المخدرات والحشيشة سواء بالحي أو بالمدرسة فيتطرف ، أو أن يحبس بالبيت ويدمن علي الأجهزة فيكون متطرفا من نوع آخر ، وفي كل الأحوال هو متطرف
قلت له : طالما أنك تخاف علي ابنك من ثلاثي التطرف هذا (الديني ، والمخدراتي ، والتكنولوجي) فلا بد من مواجهة هذه الثلاثة بثلاثة إجراءات تربوية مهمة لتحمي ابنك من الانحراف والتطرف : الأول أن تكون ملازما له ومتابعا لسلوكه وأفكاره ، وهذا يتطلب منك أن تفرغ الكثير من وقتك من أجله ، وتكثر من الحوار معه ، وأن تبني العلاقة معه علي أساس الصداقة لا العداوة حتي تكسبه لصفك فيحبك ، وإذا أحبك فتح لك قلبه واستطعت أن تفهم وتعرف ما يدور في نفسه ، وفي هذه الحالة تكون قد نجحت في قراءة أفكاره ومعرفة ما يدور في نفسه ، والأمر الثاني قد ذكرته لك قبل قليل وهو أن تكون قدوة صالحة له ، فالأطفال يتأثرون بالمشاهدة والسلوك الذي تمارسه أكثر من تأثرهم بالكلام والنصائح والتوجيهات ،
وأما الأمر الثالث فهو ( التوعية المبكرة ) ، فتتحدث مع ابنك عن أنواع التطرف الثلاثة : فالأول التطرف الديني فتضرب له أمثلة في الفهم الخاطئ للإسلام سواء من أيام النبي صلي الله عليه وسلم مثل قصة الثلاثة الذين لما رأوا عبادة النبي صلي الله عليه وسلم تقالوها (رأوها قليلة ) ، فقال أحدهم أنا أصوم ولا أفطر ، وقال الثاني أنا أقوم الليل ولا أنام ، وقال الثالث أنا أعتزل النساء ولا أتزوج ، فالأول أدمن الصيام والثاني أدمن القيام والثالث أدمن العزوبية ، فنهاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم عن هذا الفهم الخاطئ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) ، فهذه قصة جميلة لو ذكرتها لابنك في منهج الإعتدال للنبي الكريم أو أن تذكر لإبنك قصصا عن التطرف الواقعي الذي نعيشه وهو كثير ، وتذكره بقول الله تعالي (وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس) فلا نكون شهداء علي الناس يوم القيامة حتي نكون معتدلين في فهم الدين ووسطيين لا متطرفين
والتطرف الثاني : المخدراتي فتتحدث معه عن الحشيش والمخدرات وتضيف عليها قضايا الشذوذ والإلحاد فيكون علي وعي ودراية بما في مجتمعه من أفكار وأشياء تدمر الإنسان ، وإني أعرف أبا طبق تكنيك التوعية المبكرة مع ابنه فأخذه لمعرض العنف والمخدرات ، وجعله يشاهد أنواع المخدرات والحشيش وأدوات العنف حتي صار يتحدث بما شاهده لأصحابه وأهله لمدة أربع سنوات ، بل وتطور حاله حتي صار يساعد الإدارة المدرسية بإخبارهم بمن يتناول حبوب الهلوسة بمدرسته ، وأما التطرف الثالث : فهو التطرف التكنولوجي بأن يكون مدمنا علي الأجهزة والألعاب أوبرامج التواصل الاجتماعية مع الآخرين في المجتمع الافتراضي ، ويمكن علاج هذا النوع من التطرف بضبط وتحديد مواعيد استخدام التكنولوجيا بحسب عمر الطفل ، وكذلك بمشاركته بالألعاب لنتعرف علي طبيعة الألعاب ونوعيتها فنوجهه لو رأينا أن في اللعبة بعد فكري أو تشجع علي القتل والعنف وغيرها ، قال : شكرا لك علي هذه الإجراءات العملية والتربوية ، قلت : وعلي رأس هذه الإجراءات (الدعاء) بأن تدعوا لولدك فدعوة الوالد لولده مستجابة
الخبير الاجتماعي والتربوي