هل تربيتنا تسلية أم تسليتنا تربية؟
هل تعرف غلام (مراهق) غير مجري التاريخ ؟ وهل مر عليك غلام كان سببا في هداية قومه ؟ وهل سمعت عن غلام صار مرجعا في العلم ؟ ربما يقول القارئ في نفسه إن ما ذكرته مستحيل ، فكيف يغير غلام صغير مجري التاريخ أو عقيدة مجتمعه أو يكون مرجعا للعمل !! وأنا أقول له إن ما ذكرته واقع وليس مستحيلا ، فأما الأول فهو غلام الإخدود وقصته ذكرت في القرآن ، تربى هذا الغلام علي يد عالم رباني يؤمن بالله تعالى ، فتعلم قوة الإيمان والثقة بالنفس والتوكل علي الله والإعتزاز بدينه وعدم الخوف من الناس ، فوقف ضد ظلم حاكمه عندما أراد قتله وقال له : إذا أردت قتلي فقل (باسم رب هذا الغلام) ، فلما قالها عند قتله أسلم قومه ، فقدم نفسه ضحية من أجل هداية قومه
والغلام الثاني هو (حبر الأمة) ابن عباس رضى الله عنه الذي تربى علي يد النبي صلى الله عليه وسلم ، علمه الله التأويل وآتاه الحجة والبيان فكان مرجعا في العلم والتفسير والفقه علي الرغم من صغر سنه ، والسر وراء هذا التميز للغلامين أنهم تلقوا تربية ايمانية علمية في صغرهم ، فاللعب لم يكن شيء ترفيها في حياتهم وإنما اللعب والتسلية كانت تربية ، ومن هنا ندرك الفرق بين تربية تقوم علي التسلية أوتسلية تقوم علي التربية ،
فالخلل الذي نعيشه اليوم في تربيتنا بأننا حولنا التربية إلي تسلية ، وصار الذين يوجهون أبنائنا من بوابة التسلية يمارسون معهم التربية فيغرسون أفكارهم ومعتقداتهم من خلال الترفيه والتسلية ، وصار المربي إما متفرجا أو غائبا عن التربية ، خلافا لما أمر الله تعالى ، فالله وجهنا بأن لا نجعل التسلية من غير هدف أو تربية ، قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) وقال ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) فالقضية عند الله حق وباطل ، فمن صفات الدنيا أنها لهو ولعب قال تعالى (أعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ..) ولكن الله تعالى بين أنه خلقنا للعبادة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، بينما وصف الكفار بأنهم كانوا يلعبون بالدنيا (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) بل وصف الله المؤمنين بأنهم لا يضيعون وقتهم (والذين هم عن اللغو معرضون)
ومع هذا كله فإن الإسلام سمح لنا أن نلعب ونلهو بشروط حتى نروح النفس ونسعدها بهدف العطاء والإنتاج والإستمرار في العبادة وخاصة لو كانت (التسلية تربية) فإنها في هذه الحالة تحقق الهدف المنشود ، فنبينا صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها ، وكان يشاهد معها رقص الأحباش في العيد ، وقال لحنظلة ساعة وساعة ، وقال لجابر عندما تزوج ثيب هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ، وكان يلاعب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فبيوت الأنبياء فيها لعب وتسلية ولكن بهدف التربية ، ففي قصة يوسف عليه السلام طلب أبناء يعقوب من والدهم السماح لهم باللعب فقالوا ( قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا علي يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) ، وكان أصحاب رسول الله يجلسون جلسات يتحدثون فيها عن ماضيهم ويضحكون ، وابن الجوزي وهو من فقهاء الأمة ألف كتبا في الترفيه والتسلية كأخبار الحمقى والمغفلين وأخبار الأذكياء
فالتسلية والترفيه من احتياجات الإنسان وخاصة الطفل وقد كتبت هذا المقال لأني وجدت أكثر من عائلة فقدت سيطرتها علي أطفالها وأبنائها في إدارة العابهم وأوقات فراغهم ، فصار الطفل يدير والديه فيكون طول اليوم في اللعب والتسلية ولا يتدخل الوالدان في لعبه وإدارة أوقات فراغه ، والصواب أن نستفيد من وقت لعبه بتوجيهه فنحول (التسلية لتربية) والتعليم لمتعة ، ولا مانع ونحن نوجههم ونتدخل في العابهم ونلعب معهم أن نضحك ونمزح ونقفز ونركض فهذا كله جعل (التسلية تربية) ، وهو الهدف المنشود بتوظيف كل ما حولنا لتربية أبنائنا