قال الصيام تعذيب ، فقلت بل تدريب
قال : إن الصيام فيه تعذيب للجسد والصائم يحرم نفسه من ملذات الحياة ، قلت : هل جربت الصيام في رمضان ؟ قال : لا ، فأنا أصلى ولا أصوم ، قلت : وهل تعتقد أن المسلم هو الوحيد الذي يصوم بالعالم ؟ قال : نعم ، قلت : لا وإنما هناك أنواع كثيرة من الصيام ، فالنصارى واليهود يصومون بنظام مختلف عنا ، كما أن هناك صيام صحي وسياسي وجمالي ، قال : وماذا تقصد ؟ قلت : الصيام السياسي هو الصيام الذي يضرب فيه السجين عن الطعام من أجل أن يوصل صوته للعالم فيتعاطف الناس مع قضيته ، والصيام الصحي هو الصيام الذي يأمرك الطبيب بالإمتناع عن بعض أنواع الطعام لوقت محدد من أجل صحتك ، وأما الصيام الجمالي فهو النظام الغذائي التي يتبعه كثير من الناس من أجل المحافظة علي رشاقتهم ونضارة جسدهم ووزنهم ، قال : ولكن هذا فيه منطق لأن الصيام السياسي والصحي والجمالي له هدف
قلت : وكذلك صيامنا في شهر رمضان المبارك له هدف وفيه منطق ، قال : ولكن فيه تعذيب للنفس من الفجر إلى المغرب ، قلت : أنت تسميه تعذيب ونحن نسميه تزكية وتدريب ، وهناك فرق بين التعذيب والتدريب ، قال : وماذا تقصد بالتدريب ؟ قلت : الإنسان ضعيف أمام شهواته ويحتاج لأمرين لمواجهة هذه الشهوات : الأول قوة الإيمان والثاني الصبر وقوة الإرادة ، والصيام من الفجر إلي المغرب بالإمتناع عن الطعام وجميع الشهوات يقوى إيمان الصائم وكذلك يقوي إرادته حتى لا تهزمه شهواته بالدنيا فيرتكب الحرام ، ولو وقع بالحرام فإن إرادته وإيمانه يردعانه لطريق الصواب ، وهذا ما نعنيه بالتدريب لأن هدف الصيام التقوى كما قال تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب من قبلكم لعلكم تتقون) ، أما التعذيب فهو أن تحرم نفسك من الطعام بشكل دائم وهذا انتحار وليس صيام
قال : ولكن الصيام الصحي والجمالي يسمح لك بتناول بعض الطعام أما الصيام الإسلامي فيمنع عنك كل الطعام والشراب ، قلت : نعم وفي ذلك حكمة وفائدة ، ولو أطلعت علي ما يقوله الأطباء والخبراء عن النتائج الصحية للصيام الإسلامي فإنك ستعجب مما تأكده كثير من الأبحاث والدراسات ، فعالم التغذية الأمريكي (أندريا وايلر) والذي كان سبب دخوله في الإسلام الصيام قال : إن الصيام في شهر رمضان علي الطريقة الإسلامية كشف لي أسرار لم أجدها في غيره وهي : أنه في أول عشرة أيام من صيام شهر رمضان يتم تجديد 10% من الخلايا في الجسم ، وخلال الأيام العشرة الثانية يتم تجديد حوالي 66% من خلايا الجسم ، وفي العشر الأيام الأخيرة من شهر رمضان تتجدد الخلايا كلها في الجسم ، وأكتشف أن التركيز يكون أكثر في نهار رمضان وأن المناعة تزيد عند المسلم أثناء صيامه عشرة أضعاف ،
قال : معقولة هذا الكلام صحيح ؟ قلت : أبحث في قوقل عن فوائد الصيام علي الطريقة الإسلامية وستجد العجب العجاب ، فالله تبارك وتعالى لا يشرع أمرا إلا وفيه حكمة دينية ودنيوية ، فأنا أعرف كثير ممن يمارسون السلوكيات الخاطئة مثل شرب الدخان والعلاقات النسائية المحرمة وأكل الربا تغير سلوكهم بشهر رمضان بعدما قويت إرادتهم وقوي صبرهم فصاروا يقودون شهواتهم ويتحكمون بأنفسهم ، لأن الصيام فيه ضبط للنفس والشهوة وهو ليس فقط امتناع عن الطعام والشراب وإنما عن الشهوة والألفاظ السيئة ، فالصيام يعلمنا التحكم بالذات وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( الصيام جنة (أي وقاية) ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث (أي يجامع زوجته أو يتكلم بسوء) ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم إني صائم) يعنى يذكر نفسه بأنه في مرحلة ضبط النفس وإدارة الذات والتحكم بالشهوات ، ولهذا ألف الفيلسوف الألماني (جيهاردت) كتابا في تقوية الإرادة جعل أساسه الصيام ، قال : حديثك جميل وأنا سأبحث في مسألة أن الصيام تدريب لا تعذيب ، وأنتهى اللقاء