كلنا عند السفر نردد دعاء السفر ولكن من منا يعرف معنى هذا الدعاء العظيم ؟ فما معنى (واطو عنا بعده) ؟ أو (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر) ؟ فكلما عرفنا معاني العبارات والكلمات كلما تدبرنا وتأملنا في الدعاء أكثر ، فالسفر فيه فوائد كثيرة منها أنه يوسع الآفاق بزيادة المعارف والثقافات ، ويحد من ضغوط الحياة والعمل فينطلق المسافر كالطير حرا طليقا بعيدا عن حبس الجدران ، ويتعلم المسافر أنواع الطعام وعادات الشعوب ، ويكتشف أشياء يحبها ويتعرف علي أشياء غريبة بالأسواق والطرقات ، ويتعرف علي كيفية حياة الناس في البلاد الآخرى ، ويلتقط صور تذكارية جميلة يراجعها بين فترة وأخرى فيشعر بالسعادة والأنس ، كما أن في السفر فرصة للتعرف علي أصدقاء جدد وكسر لروتين الحياة ، ولهذا سمي السفر سفرا لأنه يسفر أي يكشف عن أخلاق الناس وحقيقتهم .
أما دعاء السفر فهو(اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ) ، فالمسافر يأكد علي مفهوم أن الله أكبر من كل شيء ، لأن المسافر قد يعجب بأشياء وينبهر بها فيتذكر بأن الله هو مقدر الأشياء وموزع النعم علي الناس والشعوب ، ثم يقول (سبحان الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لمنقلبون ) أي يشكر الله أنه ذلل لنا ما نركبه ولو لم يذلل لنا الآلات والأنعام ما كنا نستطيع أن نركبها ، ثم يقول : (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ والتَّقْوى، ومِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى ) لأن ليس كل سفر فيه نية صالحة فبعض الناس يسافرون لإرتكاب المنكر أو ضياع الوقت أو الهروب من طلب الناس لحقوقها ، أو هروبا من الإلتزامات الدينية أو الإجتماعية وغيرها ، ثم تقول (اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ) يعنى بأن الله ييسر أمور السفر لأن في السفر تعب ومشقة وخوف ومعاناة ، مهما بذلت من أسباب الراحة والتخطيط ، ثم تقول (اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ) يعنى أن يكون الله مصاحب لك في سفرك ، أي ملازم لك بالحفظ والعناية ، وفيه استشعار لمعية الله مع المسافر فيطمئن ويرتاح ، (والخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ) أي أنك تعتمد علي الله وتتوكل عليه أثناء غيبتك علي أهلك فيحفظهم ويكونوا آمنين برعايته ، ثم يقول ( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ) أي مشقة السفر لأن كل سفر فيه مشقة حتي لو سافرت علي الدرجة الأولى أو مع وفد رسمي رفيع المستوى ، (وَكآبَةِ الـمَنْظَرِ) أي الإستعاذة من كل منظر تشاهده وأنت مسافر يجلب لك الحزن والكآبة ، (وسُوءِ الـمُنْقَلَبِ فِي الـمَالِ والأهْلِ) أي نسألك يا ربنا أن تحفظ علينا كل ما خلفناه وراءنا من مال وأهل ، وأن ننقلب إليهم مسرورين بعد عودتنا من سفرنا بالسلامة ، وإذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وزَادَ فِيهِنَّ: (آيبُونَ) أي راجعون بالخير ، (تَائِبُونَ) من الذنب والتقصير ، و(عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) أي مخلصون لله ونشكره علي ما أنعم به علينا من توفيق في السفر وحفظ المال والأهل .
فيشعر المسافر بالراحة عند ذكر الدعاء لأنه فوض أمره لله تعالى ، والسفر سر من أسرار سعادة الإنسان ، ومن طرائف ما قرأت خبرا عن علماء جامعة هارفرد الأمريكية يفيد بأنهم اكتشفوا أن السفر ولو كان لرحلات قصيرة فإنه ضروري ويشعر الإنسان بالسعادة ، ووفق نتائج الدراسة التي أجراها علماء هارفرد بمشاركة خبراء المركز البريطاني للدراسات السرطانية، التي استمرت سبع سنوات، تبين أن السفر هو الشرط الأساسي للشعور بالسعادة ، يقول الخبراء لأجل ذلك يكفي السفر الى مدينة قريبة برفقة العائلة أو الأصدقاء، بهدف زيارة تلك الأماكن التي لم يسبق لكم ان شاهدتموها في الماضي ، أي أن السعادة يضمنها تغير المكان والوضع ، والحصول علي معارف جديدة ، وأن الرحلات والسفرات إذا زادت عن حدها فإن بريقها يختفي ، فالمهم أن تكون أسفارنا بنية الطاعة والراحة .