كيف تدير همك وعلمك ؟
في شهر رمضان الكريم كثيرا ما نسمع هذا الدعاء ” اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا ، وأجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ”
ودائما تستوقفني عبارتين بهذا الدعاء وهما (اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك) وعبارة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) ، وأقول في نفسي حتى تحول الخشية وتمنعنا من ارتكاب المعاصي لابد أن ننميها دائما، فالخشية هي الخوف من الله مع تعظيمه تبارك وتعالى، وهي معرضة للضعف إذا لم نهتم بها وننميها ، وتقوية الخشية تكون بالعلم الشرعي لأن أكثر الناس خشية لله هم العلماء كما قال الله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال عليه السلام (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وكما قيل (من كان بالله أعرف كان له أخشى وأخوف) وعليه ينبغي أن نخصص لنا وقتا كل يوم ولو ربع ساعة لنتعلم العلم الشرعي، من خلال القراءة أو متابعة البرامج التعليمية في النت أو مدارسة كتاب أو حضور حلقات العلم ، وعندها تتحق المعادلة الثلاثية وهي (العلم ، الخشية ، الحفظ من المعصية)
أما العبارة الثانية وهي ( ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) فكلما سمعتها تذكرت أن هناك نوعين من الهموم والعلوم ، الأول الهموم والعلوم الدنيوية، والثاني الهموم والعلوم الأخروية ، وهذا الدعاء فيه اعتدال ووسطية بأن لا نركز علي جانب دون الآخر ، فلا نكون دنيويين فقط ولا أخرويين فقط ، ولهذا جاءت عبارة (أكبر) فنقول (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا)، يعني ممكن أن تكون الدنيا من همنا ولكن لا تكون هي الأكبر ، وكذلك لا يكون أكبر علمنا العلم الدنيوي ،
ففي الدعاء دعوة للتوازن أن يكون همنا الأكبر هو هم الآخرة وهمنا الأصغر هو الهم الدنيوي ، ولهذا بين لنا نبينا الكريم عليه السلام نتائج من يجعل أكبر همه الآخرة أو أكبر همه الدنيا فقال : (من كانت الآخرة همه ، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة ، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له )
إن هذا الدعاء وهذا الحديث يعلمنا كيف ندير حياتنا من خلال إدارة همومنا وعلومنا ، وقد نظم الله تعالى لنا حياتنا حتى لا ننسى هم الآخرة، فعلى مستوى اليوم وزع توقيت الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وعلي مستوى العام جعل لنا شهرا كاملا نتفرغ فيه للعبادة وهو شهر رمضان المبارك ، فالصلاة والصيام يعالجان الإدمان الدنيوي، ويوجه المسلم للتوفيق بين الدنيا والآخرة مع إعطاء الأولوية للآخرة عند تضارب المصالح، فالنفس كما أنها تحتاج لزاد دنيوي وترفيهي وإجتماعي فكذلك تحتاج لزاد إيماني حتى تستقر وترتاح ، فهذه بعض الخواطر وردتني وأنا أستمع لهذا الدعاء العظيم الذي كان رسولنا الكريم يدعوا فيه لنفسه وأصحابه وعلمه أمته لأن فيه خيري الدنيا والآخرة