هل كل مراهق مرهق ؟
ربما أكثر القراء يقولون (نعم كل مراهق مرهق) ، ولكن المفاجأة أن الجواب الصحيح هو (ليس كل مراهق مرهق) ، وهذا ما تفيد به الدراسات والأبحاث والواقع الذي نعيشه ، ولكن من أين جاءت فكرة (أن كل مراهق مرهق) ؟ وكيف انتشرت هذه الفكرة؟
كانت البداية في عام 1904 م عندما وصف عالم النفس الأمريكي (ستانلي هال) بأن المراهقة هي مرحلة (العواصف والتوترات) وهو أول من وصف المراهقين بهذا الوصف ، ثم كتبت ابنة الطبيب النفسي الشهير (فرويد) مؤسس علم التحليل النفسي وهي (أنا فرويد 1958 ) بأنها ترى أن الإضطراب الشعوري عند المراهقين هو أمر سائد ، وتقول بأن (المراهق الطبيعي) وقت المراهقة هو أمر غير طبيعي ، فتلقت مثل هذه الأوصاف والأفكار وسائل الإعلام وأضافت عليها مبالغات كثيرة في الحديث عن مشاكل المراهقين حتى صار الناس يشعرون بأن (كل مراهق مرهق)
إن وسائل الإعلام تصور لنا أن مرحلة المراهقة مرحلة بشعة ومصيبة وأزمة وتوتر ، وعلي الآباء أن يتوقعوا الكوارث والزلازل المنزلية بسبب هذه المرحلة ، ثم تبنت هذه الأوصاف الكثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج الإذاعية ، وشجع هذا التصور كلام المختصين والمرشدين النفسيين عن مرحلة المراهقة حتى صار عنوان المراهقة بأنها مشروع أزمة ومصيبة
بينما لو نزلنا للواقع لوجدنا أن هؤلاء القلة من المراهقين المشاكسين سبب مشاكستهم يعود لطبيعة التربية التي تلقوها أو طبيعة المجتمع الذي عاشوا فيه ، بينما أكثر المراهقين يمرون بمرحلة المراهقة بسلام ، وكثير من المراهقين يكونوا بارين بوالديهم وحنونين عليهم ويسمعوا ويطيعوا بكل أدب واحترام ، بل وتشير معظم الدراسات أن 20% من المراهقين يمرون باضطرابات ملحوظة ، ولكن الغالبية يتمتعون بعلاقات طيبة مع والديهم ، وأذكر أني كنت يوما في ورشة تدريبية عن المراهقة فسألت الحضور، هل لديكم مشاكل كبير من أبنائكم المراهقين فكان الجواب من أكثرهم لا ، وسألت أكثر من صديق لديه أبناء مراهقين وبنات نفس السؤال فكان الجواب كذلك لا، والبعض أجاب بنعم، لو كانت مشاكل المراهقين متعبة فإن ذلك يعود لطبيعة المرحلة التى يمرون بها ورغبتهم في إثبات ذوا تهم وهذا أمر طبيعي
وحتى من لديه اضطراب من المراهقين لو دققنا في كل حالة علي حدة لوجدنا أن أغلب هذه الحالات تعاني من يعاني من مشاكل صحية أو تعليمية أو تربوية أو نشأ في أسرة غير مستقرة ولم يشعر باحترامه وتقديره فيها، فيتمرد علي أسرته لأنه لا يشعر بحب الإنتماء لها، ففي اليابان على سبيل المثال من 80 الي 90% من المراهقين فيها يصفون حياتهم الأسرية بأنها مريحة ، وفي الهند وجنوب الصحراء الأفريقية وجنوب شرق آسيا معظم المراهقين يتمتعون بعلاقات إيجابية مع والديهم ، بل حتى في بلادنا العربية فإن المراهقين الذين يشكلون خطرا أو يزعجون أبائهم بمرحلة المراهقة هم النسبة الأقل من جملة المراهقين ، ولو أطلعنا علي الإحصائيات في دول الخليج عن المراهقين المنحرفين أو الذين يرتكبون الجرائم والمشاكسين وعملنا مقارنة مع عدد المراهقين الإجمالي لوجدنا أن النسبة ضعيفة
فالدراسات الأمريكية تعبر عن مجتمعها وليست بالضرورة تعبر عن مجتمعنا أو المجتمعات الأخري ، فنحن لا ننكر أو نلغي وجود مراهقين مشاكسين يتلفون المال العام ويزعجون آبائهم ولكن لا نضخم الموضوع ونعطيه أكبر من حجمه، ولا أن نأخذ كلام العلماء الأجانب عندما يتحدثون عن مجتمعاتهم وأبنائهم ونسقطها علي أبنائنا ومجتمعاتنا