من القصص الطريفة أن رجلا كان مصابا بمرض نفسي فلا يرى نفسه إنسانا وإنما يراها حبة قمح، وكان يهرب من الدواجن خوفا من الهجوم عليه ليأكلوه، فأخذه أهله لطبيب نفسى لكي يعالج مشكلة الخيال والوهم عنده، وبعد عدة جلسات تمت معالجة المشكلة وصار ينظر لنفسه على أنه إنسان، وفي يوم من الأيام كان يمشى بالطريق فرأى ديكا يمشى خلفه فهرب منه خائفا، فقيل له : لماذا تهرب من الديك وقد تمت معالجتك من المرض ؟ فأجاب : صحيح أني أنظر لنفسي على أني انسان وتمت معالجتي ولكن من يقنع الديك بأني أنا إنسان ولست حبة قمح ؟!!
فهذا الرجل على الرغم مع علاج مشكلة نظرته لنفسه إلا إنه مازالت مشكلة نظرة الآخرين له قائمة ولهذا هو ما زال مقتنعا أن الديك يراه كحبة قمح، وأكثر هذه الحالات غالبا ما يكون سببها المرحلة الطفولية التي عاشها الإنسان في بيته وهو طفل، فربما كان يعامله أهله معاملة فيها تحقير وإهانة وشتم وضرب والتقليل من شأنه والإستهزاء بشخصيته أو شكله، فينشأ ضعيف الشخصية مهزوز الثقة ويتخيل نفسه مهان وأن الآخرين أفضل منه
يحكي لي أحد الأصدقاء أن فتاة جاءت إليه تقول له أريد أن أنتحر لأنه لا قيمة لي في هذه الحياة، فلما تحاور معها لاحظ أنها قد تلقت إهانات من والديها وأخوانها وكانت مضطهدة في بيتها فكرهت الحياة، فلما حاول إقناعها بأن لها قيمة رفضت كلامه وقالت له أصلا لو عكست كلمة (انتحار) للاحظت أن عكسها (راحتنا) فاستغرب من ذكائها وقال لها طالما أن هذا ذكاؤك فإن الإنتحار في حقك خطأ لأنك ذكية جدا وعبقرية، فناقشها بفكرة ذكية وقال لها لو بعتك كقطع غيار كم يكون سعرك ؟ فقالت : ماذا تقصد ؟ قال : لو بعت عينيك ويدك وقدمك وشعرك وقلبك كم ستحصلين من المال ؟ قالت : كثير فرد عليها : إذن أنت غالية وثمنك كبير فكيف تقولين أنه لا قيمة لك بالحياة ؟!
يقول صاحبي فكان هذا الحوار سببا في تغيير نظرتها وصورتها لنفسها وصارت متفائلة وإيجابية بالحياة ، فإذن نحن نحتاج عندما نربي أبنائنا أو نتعامل مع أصدقائنا أن لا نعيش بمنطق (من يقنع الديك بأني حبة قمح) وإنما ينبغي أن ننظر لأنفسنا نظرة إيجابية ونستفيد من قدراتنا ومهاراتنا، ومع هذا كله يبقى هناك صنف من الناس لا يتقبل تغيير الآخرين حتى لو تغيروا، ويريد أن يعيش علي الصورة التي كان يراها عن ذلك الإنسان بالماضي، ففي مثل هذه الحالات لا ينبغي أن نتعب أنفسنا بإقناعه وإنما علينا أن نتركه للزمن فالزمن كفيل بأن يغير الصورة التي بذهنه بعدما يرى المواقف للشخصية الجديدة بنفسه
ونرجع مرة أخرى لأهمية التربية وخاصة الكلمات والعبارات التي يسمعها الطفل وهو صغير فلو رددنا عليه عبارة بأنه حبة قمح سيعيش طول عمره بهذه الصورة وسيكون مهزوز الثقة ضعيف الشخصية فلننتبه لعباراتنا وكلماتنا وهذا ما كان يحرص عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال عبدالله بن عامر رضي الله عنه أنه دعته أمه يوما ورسول الله قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال لها رسول الله : وما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أعطيه تمرا ، فقال لها رسول الله : أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبه ) فالكلمة الطيبة والصادقة هي التى تبني الإنسان
@drjasem
د جاسم المطوع
الخبير الإجتماعي والتربوي