هل تربي أبنك علي الحب أم الحزم أم كلاهما ؟!
تحدث معي بحسرة وندم علي أسلوبه في تربية ابنه عندما كان صغيرا فقد رباه علي الدلال والدلع، ثم تأفف وقال : والآن ابنى في سن المراهقة وهو متمردا وعنيفا وكثير الغضب لا يسمع كلامنا ويتخذ قرارات خاطئة في حياته دون الرجوع إلينا، قلت له دعنى أشرح لك أنواع التربية فهناك ثلاثة أنواع للتربية، الأولى التربية على الحب والدلال فقط، والثانية التربية على الحزم والإنضباط فقط، والثالثة التربية بالجمع بين الحب والحزم، فأغلب المربين يربون أبنائهم على النوع الأول وهو الأسلوب الذي اتبعته أنت مع ولدك، وبعضهم يربي على النوع الثاني، وقليل من يربى أبناؤه على النوع الثالث وهو الجمع بين الحب والحزم،
فالموازنة بين مشاعر الحب والحزم أثناء تربية الطفل وخاصة في سنواته الأولى يفيده كثيرا وينمي عنده عدة صفات وسلوكيات، منها ضبط النفس واكتمال النضج وحسن اتخاذ القرار والتوازن النفسي واحترام القوانين والقواعد في المجتمع، كما يكون الطفل أكثر الأطفال سعادة لأنه تربي متوازنا بين الشدة واللين والحب والحزم فيكون أكثر استقرارا لا عدوانيا ولا عنيفا، كما ينموا عنده شعور الإحساس بالآخرين والتعاطف معهم لأنه من خلال التربية علي الحب والحزم ساعده ذلك لتنمية الذكاء العاطفي والإجتماعي، فإذا كبر يكون عطوفا رحيما ولكن بوعي فلا يستغله أو يسغفله أحد ولا يكون ساذجا أو مغفلا، ويستطيع أن يتخذ قرارا لوحده دون الإعتماد علي الآخرين لأنه تربى علي تحمل المسؤولية من صغره
فالتربية بالحب فقط تعنى أن نشبع الطفل حبا وحنانا وعطفا لدرجة الدلال فلا نقول له (لا)، أو إذا رفضنا له طلب فإنه يرفض رفضنا هذا ويبكى أو يغضب فنضعف أمامه ونستجيب له، أما التربية بالحزم فقط فهي أن نكون شديدين مع الطفل ونطبق عليه نظام صارم كأنه يعيش بثكنة عسكرية، أما التربية بالحب والحزم فلها عدة أساليب : أولها تعليم الطفل الإحترام في وقت مبكر من خلال تعليمه الإستئذان والإعتذار واستخدام الكلمات مثل (لو سمحت) فهذا السلوك يجعله أكثر احتراما لغيره، كما أن هذا السلوك يعزز الثقة بنفسه ويقوى شخصيته ويعطيه الإحترام والتقدير لذاته فيتصرف تصرفا سليما، والثاني نعلمه أن الحياة ليست دائما حلوة، فلا بد أن يمر بآلام الحزن والإحباط والخسارة، فليس كل ما يتمناه يجده، وإنما لابد أن يحسن التعامل مع أحدث الدنيا الحلوة والمرة، ويؤمن بأن كل مقدر فيه خير كبير، وثالثها تعليمه الحزم والثبات وخاصة في القوانين التي تضعها الأسرة لصالح الأبناء كقوانين الدراسة والطعام واللباس والأصدقاء والتعامل مع التكنولوجيا وغيرها من القوانين المنزلية، فيلتزم الوالدين بتطبيقها بحزم من غير غضب أو عصبية، وإنما مع الحب والعطف، فيتعلم الطفل الإنضباط والإنجاز واحترام الوقت
ولهذا كان النبي الكريم عليه السلام مع حزمه التربوي كان يربي بالحب فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: ‘ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ‘اللهم علمه الكتاب’ وفي رواية: ‘اللهم علمه الحكمة’ وفي أخرى: ‘الله فقهه في الدين’.، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني ويُقعدني على فخذه ويُقعد الحسن على الأخرى، ثم يضمنا،ثم يقول: اللهم ارحمهما؛ فإني أرحمهما، وفي رواية: ‘اللهم إني أحبهما فأحبهما’.
فالضم والإحتضان جانب عاطفي وقد أثبتت دراسة قام بها مجموعة أطباء في جامعة واشنطن، أن “الإحتضان والعناق” يُساعدان على تطور حجم الحُصين في دماغ الطفل بنسبة 10% عن باقي أقرانه الذين لم يتلقوا مثل هذا الإهتمام علما بأن “الحُصين” هو المسؤول عن عملية التعلم، التذكر والذاكرة طويلة المدى وتُخزن فيها المعلومات.
كما وأن العناق يُخفف التوتر، يُزيل الشعور بالوحدة ويُعطي إحساس بالأمان، والأهم من ذلك أنه يُخفف السلوك العدواني والغيرة ويزيد الثقة بالنفس فسكت وقال الرجل : ياليتني سمعت هذا الكلام منذ زمن والآن عرفت كيف أربي أبنائي