(12) درس تربوي من (وفديناه بذبح عظيم)
لماذا تتكرر علينا في كل عام قصة ذبح إبراهيم عليه السلام لابنه ؟ وما الهدف من اقتداء المسلمين به بذبح الأضاحي ؟ ولماذا يتحول موقف والد يريد أن يذبح ولده من آلاف السنين لاحتفالية وعيد يفرح فيه الناس ؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهني وأنا أتأمل قصة إبراهيم مع ابنه ، فاستخرجت منها (12) درسا تربويا تصلح لأن تكون دليل إرشادي لكل أسرة تنشد التميز التربوي وهي علي النحو التالي :
١.. وضوح الرؤية : (قال يا أبتي أفعل ما تأمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) ، فاسماعيل عليه السلام يعلم في صغره بأن رؤيا الأنبياء حق ، وأن رؤيا الأنبياء في المنام من الوحي فقال (أفعل ما تأمر) ، يعني ما يأمرك الله به وهذا يفيد بأنه تلقي تربية ايمانية كاملة وواضحة من صغره
٢.. السمع والطاعة : فقد استسلم إسماعيل لطلب والده علي الرغم من صعوبته (فلما أسلما وتله للجبين) ، يعني استسلما لأمر الله عندما أخبره به ، فألقاه إبراهيم علي وجهه حتي لا يشاهده أثناه ذبحه فيتأثر ويتراجع أثناء تنفيذ أمر الله تعالي
٣..البديل السريع للبر والطاعة : عندما يطيع الإنسان ربه أو يطيع الإبن والديه في أمر يكره فعله فإن الله يعوضهما خيرا (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين وفديناه بذبح عظيم ) ، فنال إبراهيم جائزة فورية نتيجة نجاحه للاختبار العائلي ، ونال إسماعيل كذلك جائزة فورية أخري بنزول الكبش نتيجة بره لوالده
٤.. اعمل صالحا وأترك أثرا : فالعمل الصالح عمره طويل وأثره كبير ولهذا صارت قصة الذبح تاريخا للناس ودينا للبشرية ، فصار أثر إبراهيم وابنه مستمرا حتي قيام الساعة
٥..الصداقة التربوية : يتضح من الحوار بين الأب وابنه أن العلاقة بين إبراهيم عليه السلام وولده علاقة قوية ، وهي أكبر من علاقة والدية وإنما هي علاقة صداقة ، وهذه يصعب تحققها في مرحلة المراهقة (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك ) ويعني (بلغ السعي) أي صار يسعي ويمشي مع والده ويقضي معه حوائج الدنيا ، ومن هنا نستدل علي أن العلاقة كانت علاقة تجاذب لا تنافر بينهما
٦..الحوار الناجح : (قال يابني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري) ، فعلى الرغم من أن إبراهيم عليه السلام تلقي أمرا بالذبح من الله تعالي ، إلا إنه استشار ابنه الصغير وأخذ رأيه بقوله (ماذا تري؟!) ، وهذه لفتة تربوية مهمة بأن نتحاور مع أبنائنا حتي في الأمور المسلمة والمفروضة التي أمرنا الله بها ، لأن الأبناء وخاصة في سن المراهقة يرون الحوار معهم احتراما وتقديرا ولا يحبون ويكرهون الفرض والإجبار
٧..الصبر علي الأوامر الصعبة : (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) ، فاسماعيل عليه السلام صبي لم يتجاوز عمره 15 سنة ومع ذلك يعرف معنى الصبر ويعيشه عمليا ويستعين بربه ليعينه عليه ، وهذا مؤشر لنجاح تربية بيت إبراهيم عليه السلام علي الرغم من صعوبة المهمة والتكليف ، فهو تربي علي قيمتين الأولي الصبر والثانية الإستعانة بالله علي استمرار الصبر
الإبتلاء العائلي : (إن هذا لهو البلاء العظيم وفديناه بذبح عظيم وتركنا ٨.. عليه في الآخرين سلام علي إبراهيم) ، لأن إبراهيم عليه السلام لم يرزق بولد حتي بلغ عمره 86 سنة ، ثم رزق باسماعيل الذي جاء بعد طول انتظار وهو ولده الوحيد ، فلما جاء وتعب علي تربيته أمره الله بذبحه ، والأصعب من هذا الأمر أن يكون الذبح بيد أبيه الذي انتظره 86 سنة ، فهذا بلاء اسري عظيم ، فلما نجح بالإختبار والإبتلاء جازاه الله بمكافأة عظيمة فأنزل له كبش عظيم ، وصارت سنة للمسلمين إلي قيام الساعة حتي يتعلموا معاني الصبر علي البلاء والسمع والطاعة لأوامر الله
٩.. الفرج بعد الشدة : (كذلك نجزي المحسنين) وهذه هي سنة الحياة بأن العاقبة للمتقين وأن النصر يأتي مع الصبر والفرج بعد الشدة وأن مع العسر يسر ، وقيم كثيرة نتعلمها من قصة إبراهيم وإسماعيل ، وقد وصف الله إبراهيم وإسماعيل بأنهما محسنين ، والمحسن هو المخلص في عمله المراقب لربه والمتقن لصنعته والباذل للمعروف والخير ولهذا هو يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فيستشعر إن الله يراه
١٠..كرم الله عظيم : (إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين)، فمن يصبر علي أوامر الله الصعبة فإن الله يغدق عليه بكرمه أكثر مما يطلبه الإنسان ، فكان من كرم الله تعالي أن رزقه بولد آخر نتيجة صبره وطاعته ونجاحه بالإختبار ، ليسعده وتقر عينه بولد آخر وهو إسحاق عليه السلام
١١.. نزول البركة بسبب الطاعة : (وباركنا عليه وعلي إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم نفسه مبين ) ، وبعد الكرم الإلهي بارك الله في إبراهيم عليه السلام وذريته بسبب طاعته ونجاحه بالإختبار العائلي ، فبارك بذرية إسماعيل وكان منها رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم وكذلك بارك في ذرية إسحاق فكان منها نبي الله يعقوب ويوسف عليهما السلام ، وهذا كله جزاء النجاح في اختبار الذبح
١٢.. عصيان أكبر عدو : وهو الشيطان الذي كان يحاول عدم تنفيذ مشروع الذبح حتي يسقط إبراهيم عليه السلام بالإختبار ، ولكنه رجمه وعصي أمره ففاز وصار خليل الرحمن
فنقترح قراءة هذه الدروس علي أبنائنا ليستفيدوا من قصة (وفديناه بذبح عظيم)