متى يكون الصمت علاجا والكلام من ذهب ؟
نسمع كثيرا (الصمت حكمة وقليل فاعله) وقيل (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، وفي الحديث (من صمت نجا) وفي الحكم (الندم علي السكوت خير من الندم علي القول)، وحكم وأقوال كثيرة ولكن السؤال هو متى يكون الصمت علاجا؟ ومتى يكون السكوت من ذهب؟ والسؤال الأهم هو متى يكون السكوت من فضة والكلام من ذهب؟
هل لو سكت الزوجين عن التعبير عن حبهما فيكون السكوت من فضة؟ وهل لو رأيت خطأ في ابنك وسكت يكون السكوت من فضة؟ وهل لو رأيت أحد أصدقائك يصاحب صديقا مؤذيا أو سيئا فيكون سكوتك عن نصيحته من فضة؟ وهل لو طلب منك رأيا في خلاف بين اثنين وأنت تعرف أن كلمتك ستعالج المشكلة ولكنك سكت يكون سكوتك من فضة؟ وهل سكوتك على من يجرحك ويهينك ويشتمك يكون من فضة؟
بل يكون سكوتك من ذهب إذا كان سكوتك يعالج المشكلة، وإلا فإن الكلام يكون من ذهب لأن علاج المشكلة بالكلام لا بالسكوت، وأحيانا يكون الصمت علاجا عندما تكون غاضبا، فالأفضل أنك لا تتكلم لأنك تعرف نفسك لو تكلمت فإنك ستعتدي علي الآخرين ففي هذه الحالة يكون سكوتك من ذهبا حتى يهدأ غضبك، فليس الكلام دائما هو الحل للمشكلة كما أن السكوت كذلك ليس هو دائما حل للمشكلة، وهنا نحتاج من يتخذ قرار بالكلام أو السكوت أن يوازن بين الإيجابيات والسلبيات في الموقف الذي يعيشه
وفي كل الأحوال لو اتخذت قرارا بالسكوت فلا تجعل السكوت طويلا فإن طول الفترة يزيد المشكلة تعقيدا ويزيد الجفوة والكراهية بين الطرفين، أعرف رجل خاصم زوجته فسكت عنها سنة كاملة وكلما حاولت أن تتكلم معه صدها وأدار ظهره فلما قرر أن يرجع إليها ويحاورها بعد سنة تركته وطلبت الإنفصال وحصل الطلاق بينهما، فطول السكوت مدمر للعلاقات، وأعرف أبا هجر ابنه سنوات فلما كبر وأراد أن يكلم ابنه هجره ابنه ولم يكلمه، ففي مثل هذه الحالة صار السكوت مدمر للعلاقة وليس علاجا لها،
وهناك خمسة خطوات يمكنك اتخاذها مع الشخص الذي يريد أن يعاقبك بسكوته، فالخطوة الأولى أن تفكر بالشخص الذي اتخذ قرارا تجاهك بالصمت والسكوت لأنه في الغالب يكون غاضبا ومحبطا، والخطوة الثانية أتركه فترة ولا تلح عليه بأن يكلمك لأنه ربما يحتاج وقتا ليفكر ويستريح قليلا، والخطوة الثالثة حاول أن تتفهم وجه نظره عندما يعود إليك وينتقدك ويشتكي من تصرفك، واعتذر له لو كنت مخطأ أما إذا لم تكن مخطأ فلا تعتذر ووضح رأيك بقوة، والخطوة الرابعة لو كان الشخص الذي يريد أن يعاقبك بصمته من النوع الإنطوائي والصامت في الأساس فإن قراره الذي اتخذه تجاهك يكون بالنسبة له صحيحا لأنه يتماشى مع طبعه، فحاول أن تفهم شخصيته وتراعي ظرفه ولا تقيس شخصيتك عليه، لأنك لو كنت أنت مكانه لما فعلت مثله لأنك أنت اجتماعي وتحب أن تواجه المشكلات بينما هو شخصية انطوائية، والإنطوائي في الغالب يحب أن ينسحب عندما تواجهه مشكلة، أما الشخص الإجتماعي فيحب أن يواجه المشكلة ويعالجها، والخطوة الخامسة أن تضع قوانين وقواعد للعلاقة في المستقبل فلو غضب منك مستقبلا فلا يكرر نفس سلوكه الصامت معك،
ولا بد أن نفرق بين الصمت القاتل والصمت الذي فيه حكمة ويكون من ذهب، ولهذا قال ابن بريده (رأيت ابن عباس رضي الله عنه آخذا بلسانه وهو يقول : ويحك قل خيرا تغنم أو أسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم)، وهنا يبين ابن عباس رضي الله عنه قاعدة عامة في التعامل مع اللسان، أن الصمت حكمة والسكوت من ذهب، أما في حالة لو حصل خلاف بين الطرفين فيكون الكلام هو الحكمة وهو من ذهب،