قصة الفتاة التي كرهت والديها
جلست استمع لصديقي وهو يروي لي قصة تلك الفتاة التي حرص والدها على أن تتكلم العربية منذ صغرها، بينما كانت أمها نمساوية، وكانت حريصة على أن تتكلم ابنتها اللغة الألمانية، وكان الخلاف بين الوالدين في تربية البنات دائماً أمام البنت وهي صغيرة، فأتخذت قراراً منذ ذلك الوقت أن لا تتكلم العربية ولا النمساوية، وكان هذا القرار كردة فعل على المعارك الدائمة التي تشهدها بين ابيها العربي وامها النمساوية، ولما كبرت تعلمت اللغة الإسبانية ومعها ثلاث لغات أخرى، والآن هي في مركز مرموق في الدولة، وتتحدث أربع لغات ليس منها اللغة العربية أو الألمانية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي خسر في هذه المعركة؟ هل الأب أم الأم؟
وربما سائل يسأل: لو تأملنا أكثر في القضية التربوية لوجدنا أن الخسارة الكبيرة كانت من نصيب البنت على الرغم من أنها كسبت وتعلمت أربع لغات، واعتلت مركزاً مرموقاً في البلد، ولكنها خسرت ثقتها بوالديها، وانفصلت عنهما تربوياً وثقافياً وسلوكيا، بما كانت تراه من مشاجرات واختلاف بالآراء من أجل أن يثبت كل منهما نفسه على الآخر وكانت الضحية هي البنت، فعلى الرغم من نجاحها بالعمل إلا أنك تشعر وأنت تكلمها بأنها متألمة من تاريخها التربوي وأنها خسرت علاقتها بوالديها
إن من سلبيات اختلاف الوالدين وتناقضهما في تربية أبنائهما ينتج عنه أبناء فاقدي الثقة بأنفسهم، وفاقدي للإنتماء الأسري، وفاقدي للهوية لو كان الوالدان من ثقافات مختلفة، ففي حالة البنت هذه يمكن للوالدين الإتفاق على تعليمها لغتين العربية والألمانية ويكونا قد كسبا ثقة ابنتهما وولائها للأسرة ومحبتها لهما، لاشك أنه يستحيل أن يتفق الأبوين بكل شيء ولكن ليس مستحيل أن يتفقا على أمور أساسية في التربية وخاصة فيما يتعلق بالقيم والمبادئ والأخلاق، أما في التعليم فلا مانع من الإختلاف بشرط أن لا يأثر على نفسية الطفل ونظرته لوالديه مثلما حصل مع البنت هذه، فهي متألمة الآن لتاريخها التربوي والذي كله خلافات وتناقضات ومعارك على التربية
إننا لا نمانع لو كان التناقض التربوي من طرف ثالث مثل الجد أو الجدة أو الأصدقاء لأن الطفل يعرف بأن هذا رأي خارجي عن الأسرة ولكن الخطورة تكون لو كان التناقض من داخل البيت وليس من خارجه، كما أن الإختلاف بين الوالدين يكون صحي أحيانا أمام الأبناء حتى لا يعيشوا في عالم مثالي أو ملائكي، ولكن لابد أن يتفقا الطرفين على كيفية التعامل وقت التناقض، فلا يلغي أحدهما الآخر ولا يعاند أحدهما الآخر، مثل أن تعاقب الأم الإبن لانه خالف قانون الإلتزام باستخدام الهاتف أو الإنترنت فيأتي الأب ويلغي العقوبة أو العكس، ففي مثل هذه الحالات ينشأ الطفل على التناقض ولا يعرف ما هو الصواب
فليس الهدف من التربية أن يكره الطفل أحد والديه أو كلاهما كما حصل مع البنت على الرغم من نجاحها في الحياة ولكنها عندما عبرت عن مشاعرها فهي متألمة جدا مما حصل لها، وتتمنى لو أنها تعلمت العربية والألمانية بحب، ولكنها الآن تشعر بانفصالها تربويا عن والديها وكأنها فاقدة للحب والحنان والإنتماء للأسرة
فإذا كان الله تعالى أمر الوالدين في التشاور من أجل فطام الطفل قبل عامين والإتفاق على رأي واحد في قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا )، فيكون من باب أولى أن لا يستبد أحد الوالدين في الرأي عن الآخر من غير مشاورة في التربية