قطعت رجله وتوفي ابنه.. فماذا قال ؟
أهلنا في فلسطين يلقنون الأمة درسا في قوة الإيمان والثبات والصبر لا ينسى أبدا، فهناك من فقد عائلته بالكامل، وهناك من فقد بعض عائلته، وهناك من أصيب بإعاقة، وآخرون فقدوا بيوتهم، وكثير منهم فقدوا رزقهم ومعاشهم، فالمعاناة كبيرة لا يمكن تخيل الأثر النفسي والصحي عليهم أبدا، أطفال فقدوا أطرافهم أو أحدى حواسهم، وأطفال قضوا ساعات وأيام تحت أنقاض منزلهم الذي تم قصفه وهم فيه، وأطفال تحت القصف وأصوات الطائرات والصواريخ والرصاص، وأطفال في حالة خوف دائم وترقب دائم يفقدون أدنى مستويات الشعور بالأمان في وطنهم، وآخرون يفقدون أصدقاءهم وجيرانهم، ومع كل هذه المعاناة نرى كيف هم متمسكون بموقفهم، ثابتون على مبادئهم، ويقينهم بأن الله ناصرهم يزداد قوة كل يوم، كبيرهم وصغيرهم
فمن كان مع الله كان الله معه، وهم يرددون في كل لحظة الله أكبر، فالله أكبر من كل شيء، فمعنى الحياة والموت عندهم مختلفا، فهم لا يرون الموت موتا بل يرونه حياة، يعيشون قول الله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ، وهم مستمرون من أجل هدفهم لتحرير الأقصى، وقدوتهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي فقد الكثير من الأحباب ومع هذا استمر في دعوته ورسالته، فالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أمه وأباه قبل البعثة، وفقد زوجته وعمه أبو طالب بعد البعثة، وفقد ولده ابراهيم في المدينة وأولاده الذكور الثلاثة في مكة، وفقد عمه حمزة في غزوة أحد، وفقد ابن عمه جعفر بن ابي طالب في غزوة مؤتة، وفقد سيد الأنصار سعد بن معاذ في غزوة الأحزاب
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أكرم خلق الله على الله، ومع ذلك كان الموت دائما يتخطف أحب الناس إلى قلبه، فلم يتوان لحظة عن تبليغ رسالته وأداء أمانته ونصح أمته ودعوة الناس لرسالة رب العالمين
وإن من الأمور التي تخفف على الإنسان مصيبته عندما يرى غيره مصاب بنفس مصيبته أو أكبر من مصيبته، فيكون هؤلاء لبعضهم البعض عزاء وعونا ومواساة وقوة، وهناك مثل عربي يقول : الموت مع الكثرة يهون، ومعنى هذا المثل أنه عندما يكون المصاب عاما يشترك فيه غالبية الناس فإن هول المصيبة يكون أقل على النفس البشرية ، والأمر الآخر الذي يخفف عليهم مصابهم هو احتساب الأجر والثواب لكل مصيبة، والنظر للدنيا أنها محطة للآخرة، فالله يأخذ ويعطي برحمته وعدله
وهذا الشعور نفسه حصل مع عروة بن الزبير وهو تابعي جليل ومن الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة، وأبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، فقد قطعت رجل عروة لمرض أصابه، وفي اليوم نفسه توفي أعز أبنائه السبعة على قلبه بعد ان رفسته فرس، فكان أن قال عروة: (اللهم لك الحمد وإنا لله وإنا إليه راجعون، أعطاني سبعة أبناء وأخذ واحداً، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً، إن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطى، وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة)، فهكذا المؤمن يرى الابتلاء عندما ينزل عليه فيصبر ويحتسب وينوى الأجر ويعلم بأن ما اختاره الله هو الخير،
فأهلنا واخواننا في فلسطين يعيشون هذه المعاني على أرض الواقع، فنجدهم أقوياء بقوة الله، وثابتين بعزة الله، فاللهم انصرهم وثبتهم وقوهم، ونقول لهم ما قاله عروة (إن الله إن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطي)، وسنشهد عطاء ربنا لهم قريبا إن شاء الله