طوفان نوح وفرعون .. خسائر وأرباح
طوفان نوح عليه السلام كان آية وعبرة، أهلك الله فيه الظالمين ونجى المؤمنين، وطوفان فرعون كان من آيات الله التي أرسلها لفرعون وقومه، فالطوفان ممكن أن يتكرر في كل زمان ومكان، فطوفان نوح كان بسبب طغيان البشر وظلمهم وعدم استجابتهم لدعوته فترة طويلة، وانتهى المشهد بأن الله أمر السماء أن تتوقف عن انزال المطر، وأمر الأرض أن تبتلع الماء، فتوقف الطوفان ونزلت سفينة نوح بسلام وأمان، وبدأت حياة جديدة وتاريخ جديد بعد الطوفان، وهكذا كل طوفان يحدث في الأرض بعده يبدأ تاريخ جديد وحياة جديدة
أما طوفان فرعون فقد أرسله الله بسبب تكبرهم وعنادهم قال تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) فعلى الرغم من كل هذه الآيات استمر فرعون وقومه بعنادهم وتكبرهم واستمر موسى عليه السلام بدعوة قومه، أما نوح عليه السلام فاستمر بدعوة قومه 950 سنة وكان يعمل ليلا ونهارا، سرا وعلانية، ثم نال ثمرة جهدة بعد طول وقت بأن تحقق النصر والتمكين على يديه كما انتصر موسى على فرعون وغرق فرعون، فالصبر والاستمرار على الطريق الذي أمر الله به وعدم استعجال النتائج هو المنهج الصحيح في التعامل مع المتكبرين والمعاندين لمنهج الله
ونلاحظ أن النجاة دائما تكون بالاعتماد على الله تعالى، فلما ركب نوح السفينة ( قال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها)، يعنى النصر والتمكين والنجاة يكون ببسم الله وعلى منهج الله وأوامره، وعندما أراد النزول قال ( وقل رب انزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين)، فكذلك النزول بأمر الله، وحتى لو كان من نتائج الطوفان خسائر كثيرة ولكنها بتقدير الله هي أرباح، ولو كانت الخسائر بالأرواح،
فقصص القرآن تلهمنا المنهج الصحيح في إدارة الحياة في السلم والحرب، والسفر والحضر، والصحة والمرض، وكل مراحل الحياة وظروفها، ومن يتأمل البحر في القرآن فيجد أن له أكثر من معنى وفائدة، فطوفان نوح عليه السلام صار بحرا ليغرق الظالمين والمعاندين والمفسدين والمعتدين، والبحر في قصة يونس عليه السلام كان سببا في نجاته عندما ابتلعه الحوت، لأنه كان من المسبحين وقد اعترف بخطأه فقال (لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين)، وموسى عليه السلام له ثلاثة قصص مع البحر، الأولى في صغره عندما القته أمه في البحر، والثانية في كبره عندما كان البحر سببا في نجاته وهلاك فرعون، فالبحر حفظه في صغره وكبره، أما الثالثة فقصته مع العبد الصالح عندما خرق السفينة في البحر لأن الملك لا يأخذ السفينة التي فيها عيب فيحافظ على ملك السفينة لأصحابها، فتعلم موسى عليه السلام درسا بعدم الاستعجال بالحكم على الأشياء لأنه لا يعلم الغيب
والملاحظة في القصص الثلاثة للأنبياء نوح ويونس وموسى عليهم السلام، أنهم كلهم كان سبب نجاتهم التمسك بمنهج الله تعالى واللجوء إلى الله في كل حال وظرف، أما النصر والفوز فإنه يأتي ولو كان العدد قليلا بشرط وجود الإيمان القوي بأن النصر من عند الله، كما قال تعالى في قصة طالوت وجالوت (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) فكانت نهاية جالوت ومن معه على يد فئة قليلة مؤمنة يقودهم رجل اختاره الله وهو طالوت وكان داود جندي معه، فطوفان نوح وفرعون مهما كانت فيه خسائر فإن أرباحه أكبر وأكثر.