أكبر ألم تعيشه عندما يساء فهم تصرفاتك
يوسف عليه السلام دخل السجن ظلما على الرغم من أنه كان مع امرأة العزيز في غرفة مغلقة لوحدهم، فمن ينظر للمشهد من بعيد يقول مستحيل أنه لم يحصل شيء بينهما، ولكن الحقيقة أنه بريء، والسيدة عائشة رضي الله عنها دخلت المدينة متأخرة عن القافلة وكانت مع صفوان بن أميه، فمن يرى المشهد يقول لا شك أن بينهما شيء وهذا ما استغله المنافقون بترويج الإشاعة عنهما، وظلت السيدة عائشة رضي الله عنها متألمة شهرا كاملا بسبب نظرة الناس وتفسيرهم الخاطئ تجاهه فعلها، وكذلك يوسف عليه السلام ظل متألما سبع سنوات داخل السجن وكل من في القصر يتحدث عنه،
إن يوسف عليه السلام تربى في مدرسة والده وتعلم منه ما قاله عند مصيبته (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) والسيدة عائشة رضي الله عنها تربت في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم والمدرسة اليوسفية وكانت تردد نفس قول يعقوب عليه السلام (إنما أشكوا بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله مالا تعلمون)، وقد برأها الله تعالى من سابع سماء وأنزل فيها آيات تقرأ إلى قيام الساعة، كما برأ يوسف عليه السلام أمام مشهد الملأ
مثل هذه القصص في القرآن والسيرة لم تذكر عبثا، وإنما ذكرت ليتعلم منها الإنسان أنه لا يحكم على أفعال الآخرين فقط، ولا يحلل ما يشاهده من غير معرفة نوايا الآخر ومقصده، فهذه القاعدة الصحيحة في التعامل الإنساني مع الأصدقاء والأهل والأحباب، بل وحتى مع الأعداء، كما حصل لإسامة بن زيد رضي الله عنه لما بعثه رسول الله مع رجل من الأنصال لموضع عند قبيلة جهينة فلحقا رجل لقتله فلما وصل إليه قال الرجل : لا إله إلا الله ، فتوقف الأنصاري عن قتله ولكن أسامة قتله، فلما رجع للمدينة عاتبه رسول الله على فعلته، فقال أسامة : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح، فقال له رسول الله كلمة صارت قاعدة في العلاقات الاجتماعية والإنسانية وهي : (أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟ قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى تمنّيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم !
فالإنسان يمر بمواقف كثيرة بحياته يحكم على الأشياء من ظاهرها، وفي كثير من الإحيان يسيء الفهم او التحليل بحكم بشريته، ولا يعنى هذا لا يوجد في الحياة مخادعون أو كذابون، ولكننا إذا أردنا أن نحكم على تصرف إنسان وحتى يكون الحكم صحيحا علينا أن ننظر إلي سيرته وعمله وكلامه، ولا نحكم على العمل فقط، لأن كل انسان ممكن أن يرتكب خطأ ولكن ننظر لحسناته وسيئاته وحينها نقرر حدود العلاقة معه، فإن كانت حسناته كثيرة فهي تشفع لسيئاته (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وهذه القاعدة لولاها لما صارت العلاقات الإنسانية اليوم والصداقات
ولعل السؤال المهم هو : لماذا ظن السوء يكون دائما هو الطاغي في العلاقات ؟ والجواب لأن ظن السوء مصدره الشيطان، وابليس أهم هدف عنده بحياته افساد العلاقات، سواء كانت العلاقة مع الله أو بين الزوجين أو بين الأحباب والأصدقاء،
ومهم جدا عندما يساء فهمك أن تطلب الحديث مع من أساء فهمك لتوضح طريقة تفكيرك ووجهة نظرك وكيف تنظر للحدث، فأكثر المواقف يكون لها أكثر من تفسير، مثل موقف يوسف عليه السلام وموقف السيدة عائشة رضي الله عنها، وقصة أسامة فهذه تعلمنا أصول العلاقات والصداقات، وفي حالة لو شعرت بالظلم من تفسيرات الآخرين تجاهك فردد (حسبي الله ونعم الوكيل) فتكون قد فوضت أمرك لله، أو لو كان من المقربين وممن أحببتهم فقل (اللهم إني ظلمت فاشرح صدر من ظلمني حتى يرى الحقيق