الفرق بين جلد الذات وتأديب النفس؟
عندما يرتكب الإنسان خطأ يندم بعده ويشعر بالإحباط فيبحث عن وسيلة ليريح ضميره من كثرة العتاب واللوم للنفس، فيكون الحل هو تأديب نفسه حتى يشعر بالراحة ولا يعيش بمشاعر بالذنب والتقصير مدى الحياة، ولكن بعض الناس لا يعرف كيف يأدب نفسه فيقع في فخ جلد الذات فيعذب نفسه بدلا من تأديب نفسه
وهناك فرق كبير بين تأديب النفس وجلد النفس، فجلد الذات هي صفة سلبية، وتعنى أن الإنسان دائما ينتقد نفسه، ويكون سلبيا مع ذاته، فيلوم نفسه على كل تصرف، ولا يعترف بنجاحاته، ويركز على عيوبه وأخطائه، فإذا مدحه شخص ينكر مدحه ويرى نفسه لا تستحق المدح، وهذا ناتج عن ضعف الثقة بالنفس، ودائما من يجلد ذاته يقارن نفسه بالآخرين ويرى نفسه أقل منهم
أما تأديب النفس فهي صفة إيجابية، وتعنى أن الإنسان إذا ارتكب خطأ يحاسب نفسه ويقيمها، ثم يضع أهدافا جديدة حتى لا يكرر نفس الخطأ، فتأديب النفس يساعد على نمو الشخصية ونضجها، ويتعلم منها الإنسان قوة الإرادة والصبر وكيف يضبط نفسه ويديرها في المستقبل، وهو تدريب عملي على التحكم بالنفس،
وهناك عدة خطوات لتأديب النفس، أولها الاعتراف بالخطأ مع معرفة أسباب ارتكاب الخطأ، وثانيها أن يكون لديه قناعة بأنه هو المسؤول عن ارتكاب الخطأ وليس شخصا آخر، وثالثها اتخاذ القرار الذي يأدب به نفسه، مثل التأديب بإخراج الصدقة أو بالصيام أو بقيام الليل أو بعمل العمرة أو الحج، ومن قصص الصالحين في تأديب أنفسهم قصة عمر الفاروق رضي الله عنه حين فاتته صلاة العصر جماعة فتصدق، وابنه عبدالله كان إذا فاتته صلاة جماعة أحيا ليله،
والخطوة الرابعة هي المسامحة بأن تسامح نفسك على الخطأ الذي ارتكبته بعد تأديبها، وكلنا معرضين لارتكاب الأخطاء لأننا بشر ولسنا ملائكة، ولكن المهم التوبة بعد الخطأ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، ونحن في ديننا الإسلامي ننظر للخطأ وللخطيئة بأنها فرصة لتأديب النفس والتوبة وقوة الارتباط بالله، أما لو كان الخطأ في حق الناس فنضيف عليها الاعتذار والمسامحة من الشخص،
فتأديب النفس هو التصرف الصحيح وليس جلد الذات، والتأديب يعني تزكية النفس، وقد بين الله تعالى لنا أن الفلاح والفوز في تأديب النفس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَد أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) ، فمن يريد أن يقوم سلوكه أو يعالج عيوبه فإنه يحتاج لخطوتين، الأولى (التخلية) وهي ترك الخطأ أو السلوك الخاطئ، والثانية (التحلية) يعني اكتساب السلوك الصحيح، والخطوتين تحتاج إلى وقت ومجاهدة للنفس
ومن العبارات الجميلة التي قالها أهل السلوك والتربية للنفس، أنهم جعلوا تأديب النفس أكثر أهمية من طلب العلم، فقد قال أمير الأتقياء في زمانه عبدالله بن المبارك رحمه الله (نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم)، وقال العالم والقاضي الحسن البصري رحمه الله (إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنين)،
وحتى لو كانت بعض الأخلاقيات يصعب على الإنسان أن يأدب نفسه عليه أن يجتهد حتى ينجح، مثل خلق العفو والمسامحة الذي أدب فيه يوسف عليه السلام نفسه تجاه أخوانه بدلا من أن ينتقم منهم على السوء الذي عملوه له، فقال لهم (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، فبالتقوى والصبر أدب نفسه وأكسبها الفضائل، فتأديب النفس هو الصواب وجلد الذات هو الخطأ