هل أصبح الطلاق السريع منتج تجاري؟
الشبكات الاجتماعية وما تقدمه البرامج الإعلامية اليوم صارت تقدم الطلاق على اعتبار أنه منتج تجاري سهل الحصول عليه، وهذه الفكرة يتم ترويجها بعدة وسائل مثل حفلات الطلاق وبطاقات التهنئة للطلاق وهدايا الطلاق، كما تروج من خلال برامج التدريب في كيفية التخلص من شريك الحياة وورش العمل في كيف تعيش المرأة حرة ومستقلة من غير أن تتقيد برجل أو أولاد، بالإضافة إلى تصوير حياة المؤثرين الشخصية بعد الطلاق وكيف أنهم أصبحوا سعداء بعدما تحرروا فقد تم الاتفاق بين الشركات الراغبة في ترويج الطلاق السريع وصناع المحتوى على أن يتم تقديم منتج الطلاق التجاري والسريع للمتابعين والجمهور، وقد عملت دراسات على هذا الموضوع ومنها دراسة دعبس وحسين (2023) صدرت من إمارة أبو ظبي، دولة الإمارات. وكان الهدف من الدراسة هو معرفة دور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية بتغيير العادات الاجتماعية بالعالم العربي، بالأخص في زيادة نسب الطلاق، من خلال تحويل الطلاق لمنتج تجاري ممكن تسويقه وبيعه فأغلب شبكات التواصل والوسائل الإعلامية تصور الطلاق أنه حلا سريعا للمشاكل الزوجية، وكأن المشاكل الزوجية لا حل لها إلا الطلاق، ولا يتطرقون إلى التحديات النفسية والعاطفية والتربوية والشخصية بعد الطلاق، ولا يتعرضون إلى أن المشاكل من سنة الحياة وأن هناك حلولا كثيرة لعلاجها وأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، فقد أثر هذا المحتوى الذي ينشر يوميا على ثقافة الشباب والبنات فصار عند مواجهة أي مشكلة زوجية في حياتهم أول ما يفكرون به الطلاق، وقد تغيرت كثير من المفاهيم والقيم الاجتماعية أولها أنه كان سابقا ينظر للزواج على أنه علاقة طويلة الأمد مبني على التضحية والتعاون والعمل المشترك لاستقرار الأسرة، فقيمة الزواج للأبد كانت من القيم الأساسية، أما اليوم فتغيرت النظرة للزواج وصار الزواج عبارة عن علاقة شخصية هدفها تحقيق السعادة الفردية وأن يكون الطرفين متراضين على تقسيم الحياة بينهما حتى ولو اتفقا على أن كل واحد منهما له حياته الخاصة، والقيمة الثانية أن وسائل الإعلام في السابق كانت تصور الزواج كقيمة ثابته ودائمة، وحتى القصص التي تتناول الطلاق تعرض الطلاق بطريقة سلبية وأن عواقب الطلاق كثيرة، أما اليوم فوسائل الإعلام تصور الزواج على أنه قيد للحرية وأنه مصدر شقاء، وأن السعادة في التحرر من الزواج، وتروج للطلاق حتى لا يعيش الإنسان في علاقة غير مرضية والقيمة الثالثة أنه كان ينظر للطلاق على أنه فشل عائلي فكان الكل يحرص على علاج المشكلة واستمرار الزواج ويتدخل الأب والأم والجد والجدة من كلا الطرفين لاحتواء المشكلة وعلاجها، أما اليوم فالقيم في المجتمعات الحديثة اختلفت فصار التركيز على القيم الفردية، مثل المهم أن يكون الإنسان سعيد بنفسه ويحقق ذاته، فينظر للطلاق على أنه خطوة مهمة لتحقيق الذات وسعادة النفس حتى ولو كان على حساب الأبناء أو الشخص نفسه، فأي عائق أمام سعادة الإنسان أو تحقيق ذاته لا بد أن يزال حتى ولو كان العائق أحد الوالدين أما إجراءات الطلاق فسابقا كانت معقدة فحتى يطلق الشخص يفكر مرات ومرات، أما اليوم فالأمر سهل فقط يضع أصبعه على الهاتف ويكمل الكترونيا إجراءات الطلاق في دقائق، وأخيرا فإنه كان في السابق ينظر للطلاق على أنه آخر خيار يلجأ له الزوجان بعد بذل كل الجهود للإصلاح، أما اليوم وفي زمن السرعة في كل شيء في الخدمات والوجبات والمراسلات والاتصالات أثر هذا على الطلاق فصار عندنا الطلاق السريع هو الحل السريع للمشاكل الزوجية وكأن الحياة الحديثة نسيت وصف الله للعلاقة الزوجية بأنها ميثاقا غليظا قال تعالى (وأخذن منكم ميثاقا غليظا)