الناس اليوم أصبحت تتنفس وسائل التواصل الاجتماعي، فهي حياتها ليلا ونهارا، حتى أصبحت كثير من المفاهيم والقيم يتبناها الإنسان من خلال وسائل التواصل سواء كانت في الحياة أو في العلاقات، ومن يتأمل كيف تروج شبكات التواصل الاجتماعية والإعلانات الموجهة فيها يجد أن مفهوم السعادة الذي يتم الترويج عنه مشوها وخاطئا وناقصا، فدائما تروج السعادة بثلاثة طرق، إما من خلال الحصول على الأشياء المادية أو القيام بتجارب فاخرة أو التركيز على الإنجازات الفردية، فالحصول على الأشياء المادية من أسباب السعادة ويكون من خلال حياة الرفاهية بكثرة الأسفار وركوب السيارات الفاخرة وارتداء الملابس الغالية والسكن في المنازل الراقية، بمعنى أن السعادة مرتبطة بالأشياء الثمينة والغالية، وكأن الشخص الذي يكون متوسط الدخل ليس سعيدا، أو من لا يمتلك القناعة بما عنده والرضى بحياته ليس سعيدا، فهذا ترويج مشوه لمفهوم السعادة والطريقة الثانية هي الترويج بأن السعادة تكون بعمل تجارب فريدة، مثل السفر لمكان غريب، أو القيام بمغامرات غريبة أو تناول الطعام في المطاعم الفاخرة أو التصوير مع مشاهير شبكات التواصل والمؤثرين، وكأن الأشخاص الذين لا يعيشون بتجربة فريدة ليسوا سعداء، أو الأشخاص الذين يحبون العلم والقراءة والمعرفة ليسوا سعداء، أو الأشخاص الذين يهتمون بأسرهم وتربية أبنائهم ليسوا سعداء، أو الأشخاص الذين لديهم هواية يمارسونها ليسوا سعداء، وهذا ترويج مشوه لمفهوم السعادة كذلك أما الطريقة الثالثة فهي أن السعادة في الإنجاز الفردي، من خلال الحصول على ترقية في الوظيفة أو تحقيق هدف رياضي أو غذائي، أو التركيز على الذات وتقديمها على الآخرين بكل الأحوال حتى لو كان تقديم النفس على الوالدين أو الأسرة والأولاد، وصار الجسد يعبد من خلال كثرة الترويج عن الجسم المثالي والجسد الجذاب والشكل المثالي والابتسامة المثالية، فصار كل شخص يكره جسده ويشك بجماله ويريد أن يكون مثل فلان أو فلانه، فازداد القلق والتوتر والاكتئاب بسبب التركيز على الإنجاز الفردي، فصار كل شيء يروج عنه يكون مثاليا حتى العلاقات تكون مثالية، ولهذا تلاحظ أن حسابات المشاهير دائما تظهرهم وهم يبتسمون أو يضحكون أو يرحبون بالمحبين والمتابعين وكأن حياتهم كلها عبارة عن علاقات مثالية، أما الإعلانات فلو دققنا فيها لوجدنا أنها تركز على ربط المنتجات التي تروج لها بمفهوم السعادة، فيتم استخدام المشاهير بالترويج عن المنتجات وهو سعداء باستخدام هذا المنتج، وينقلون مشاعرهم الفرحة للمتابعين حتى يشتروا المنتج ويعيشوا تجربة السعادة، بل حتى عدد المتابعين والمشاركين في الحسابات تم ربطه بمفهوم السعادة، وكأنه كلما كثر متابعين الشخص كلما كان أكثر سعادة، إن وسائل التواصل غالبا تركز على السعادة الفورية والمؤقتة وليست السعادة الدائمة، حتى صار المتابعين الذين تأثروا بهذه الأفكار الترويجية لمفهوم السعادة الرقمية يشعرون بالنقص والتوتر والقلق، وبعضهم اختلت منظومة القيم والمباديء عنده فصار ينظر للسعادة على أنها مؤقتة وليست دائمة، وأن السعادة في الأشياء المادية وليست في المعنوية، وأن السعادة في الأشياء الغالية وليست التي يحتاجها الإنسان، وأن السعادة مرتبطة بالدنيا وليس الدنيا والآخرة، وأن السعادة تأتي من الخارج وليست من الداخل، كل هذه المفاهيم تم تجاوزها من خلال الترويج الخاطئ لمفهوم السعادة الرقمية، إن قوة الإيمان وزيادته والتوازن بين احتياجات الجسد والروح وتعزيز خلق الرضى والقناعة عند الإنسان، هذه الثلاثية هي التي تحمي كل متابع لشبكات التواصل الاجتماعي وتحمي أفكاره وقيمه لمفهوم السعادة الحقيقية وهي أن السعادة تنبع من الداخل لا من الخارج
