المشاهد التي عشناها للأسرة الفلسطينية توضح أن التربية الفلسطينية مختلفة عن أي تربية أخرى، فلو عملت مسابقة لأفضل أسرة في العالم وأفضل أم وأفضل أب وحتى أفضل طفل، فإن الأسرة الفلسطينية بكل أفرادها ستحصد كل الجوائز، فالإنسان ترتفع قيمته بحجم قيمه وأخلاقه وقوة إيمانه، وما رأيناه من أخلاق وقيم وإيمان للأسرة الفلسطينية يعجز عنه الوصف، مما يدل على متانة التربية وأصالتها وقوة الإيمان وثباته فناك أسئلة كثيرة تحتاج للإجابة حول الأسرة الفلسطينية، منها كيف تغرس الأسرة الفلسطينية في أطفالها قيم الثبات والصمود والصبر والتكيف مع ظروف الحياة القاسية؟ وكيف تقف المرأة الفلسطينية ثابتة وصامدة ومتفائلة، ومضحية وكلها أمل وقوة؟ وكيف يتصرف الطفل الفلسطيني على الرغم من صغر سنه بثبات وقوة وشجاعة، يخرج في الظلام ليحضر طعاما أو ماءا، ويحمل أخيه الأصغر على ظهره ورقبته ويمشى به أميالا، وكيف يقف الأب الفلسطيني شامخا وحاميا لا يعرف النوم ولا الراحة أبدا ؟ وما هو سر التضامن والتعاون للعائلة الفلسطينية على الرغم من محاربة العالم كله لها ؟ وكيف غرس الإيمان الذي أبهر العالم كله للأسرة الفلسطينية ؟ وكيف تحافظ الأسرة الفلسطينية على هويتها وثقافتها وعاداتها ودينها على الرغم من استمرار الجهود العالمية لطمس هذه الهوية ؟ وكيف تزداد الأسرة الفلسطينية قوة مع كل أزمة أو حرب أو تحدي ؟ وكيف تتوارث العائلة الفلسطينية القيم مثل الصبر وانتظار الفرج والنصر والثبات والتوكل على الله جيلا بعد جيل ؟ إن هذه المعاني كلها وهي التربية على الثبات والثقة والصبر وقوة الإرادة والتحمل وقوة الإيمان، تستحق أن يعمل بها رسائل الماجستير والدكتوراه لتستفيد الاسر المسلمة من النموذج التربوي الفريد للأسرة الفلسطينية، ففي ثقافة الأسرة الفلسطينية الأسرة ليست وحدة اجتماعية، وإنما هي درع حامي وحصن حصين لكل فرد من أفرادها، ودعم العائلة ليس مقصورا على أفرادها في البيت الواحد وإنما يمتد للعائلة الكبيرة والجيران وحتى الحي كله بأكمله، إن قيمة الرضا بقضاء الله والتوكل على الله والثبات على المبدأ وانتظار النصر ليست قيم تدرس من خلال الكتب في فلسطين وإنما هي قيم تدرس بالبيوت، وتشاهد عمليا في تصرفات الآباء والأمهات، وهذا النوع من التعليم والتربية هو الذي يأثر ويبقى مدى الحياة، فالتربية الفلسطينية ليست نظرية وإنما هي تربية عملية من خلال القدوة، كما أن قيمة حب الوطن والتضحية مرتبطه بمفهوم الصبر في العائلة الفلسطينية ولهذا هي تقاوم لأنها تعيش معنى أن الله معها وأن الله ناصرها وأن كل ما ذكر بالقرآن والسنة داعم لصمودها وثباتها، ولهذا هي غنية وصابرة بالله ومحتسبة الأجر من الله تعالى، إن العائلة الفلسطينية تعيش نظام التكافل الاجتماعي فريد من نوعه، فكل ما هو موجود يشترك به الجميع بطيب نفس، ولهذا فإنهم يقوى بعضهم بعضا وكأنهم شبكة دعم اجتماعية، يضحى كل واحد للآخر من غير انتظار مكافأة أو مساعدة، فهم على قلب واحد ولديهم هدف واحد، يتعاونون عليه ويربون أبناؤهم عليه، وهذا هو سر قوتهم ونجاحهم وثباتهم وتبقى المرأة الفلسطينية هي العمود الفقري للأسرة، فهي تتحمل مسؤوليات كبيرة جدا، تعليمية وتربوية وصحية وإدارية وخاصة أثناء غياب الأب إما اعتقالا أو استشهادا، كما أن الأم لا تتعامل مع الطفل على اعتبار أنه طفل يلعب ويلهو ويتعلم وإنما تنظر إليه على أنه مشروع للنهضة والنصر، وأنه يحقق خلافة الله في الأرض، ولهذا يكون تعليمه مختلف وتربيته مختلفة عن كل الأطفال بالعالم، وختاما نقول إن الأسرة الفلسطينية هي شرف للأمة وتاج على الرؤوس والتربية الفلسطينية غير
