قال : ابني طلب مصادقة الشاذين.. فماذا أفعل ؟
قال : أنا مقيم بكندا منذ عشرون عاما وتواجهني مشكلة تربوية وهي طلب بعض أصدقاء ابني الشاذين جنسيا بالمدرسة بتكوين علاقة معه فماذا أفعل ؟ قلت له : وكيف عرفت ذلك ؟ قال : أخبرني ابني بهذا وقلت له لا تستجيب لهم ، لأن هذا خطأ ولا يجوز شرعا ومخالف للفطرة ، قلت له : وكم عمر ابنك ؟ قال : تسع سنوات ، قلت : ولكن جوابك هذا لا يناسبه وإنما يناسب الإنسان الكبير ، خاصة وإن قوانين كندا لا تجرم العلاقة المثلية بين الذكور والإناث ، قال : إذن ماذا أقول له ؟ قلت : قبل أن تجيبه لا بد من الحديث معه في أصل الخلق ، وأن الله خلق لآدم عليه السلام حواء ، فالتكامل في العلاقة العاطفية والجنسية أساسها أن تكون بين الرجل والمرأة ، لأن الهدف منها الرزق بالأبناء ، أما العلاقة بين رجلين أو امرأتين فلها حدود وضوابط وخاصة في الجانب العاطفي ، قال : لم أفكر بهذه الزاوية
قلت : بعدما تشرح له هذه المقدمة ، تكلم معه في الفرق بين أن نصادق زملاء المدرسة بأن نجلس معهم ونتحدث إليهم وهذا هو الصواب ، وبين أن ننزع ثيابنا أمامهم أو أن يلمس كل واحد منهم جسد الآخر وهو الخطأ ، ثم اعتبر هذا الحوار مع ابنك فرصة تربوية تتحدث فيها عن الفرق بالهوية والعقيدة والثقافة بين المسلم وغير المسلم ، قال : كلامك صحيح ولكن المسألة صعبة ،
قلت : دعني أقول لك قصة حصلت معي بلندن مع ابني في نفس هذا الموضوع ، ففي يوم من الأيام دخلنا مطعم لتناول الغداء ورأينا رجلين يحتفل أصدقاؤهما بزواجهما ، فأحببت أن استثمر هذه الفرصة الذهبية لتوصيل مفاهيمنا التربوية لإبني وقلت له : هل تعرف ماذا يفعل هذين الرجلين ؟ قال : لا ، قلت هذه حفلة زواج بين رجلين ، ثم ذهبت وسلمت علي الرجلين وقلت لهما من منكم الزوج ؟ فأشار كل واحد منهما علي الآخر ، ولاحظ ابني التناقض الذي حصل في اجابتهما ، ثم جلسنا بالمطعم نتناول الغداء ، ورأيتها فرصة أن أتحدث عن عن العلاقة الشاذة بين الرجال والنساء ، وأن أتحدث عن قصة قوم لوط وكيف كانت عقوبتهم من الله تعالي بأن الله أهلكم وقطع نسلهم بسبب هذه العلاقة الشاذة كما قال الله عنهم علي لسان لوط عليه السلام (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) ، فظاهرة اللواط كانت تعد حتى فترة قريبة من الأمراض النفسية ، وفي مؤتمر لأطباء الأمراض النفسية في أمريكا عام 1973م تم ولأول مرة في التاريخ الإنساني شطب ظاهرة اللواط من الأمراض النفسية
قال الأب : لقد فتحت معي نقاط تربوية كثيرة وجيدة يمكنني استثمارها تربويا ، قلت : نعم ولهذا التثقيف الجنسي مهم لأبنائنا وخاصة هذه الأيام ، ثم أن الذي تخاف منه علي ابنك ليس في كندا فقط ، بل هو موجود في وطننا العربي وفي العالم كله ولكن الفرق بيننا وبينكم أنه عندكم في كندا معترف به قانونيا ونسبة العلانية عندكم أكثر ، قال : بدأت أقتنع بهذا الرأي مأخرا وخاصة عندما زرت الدول العربية ودول الخليج
قلت: لقد علمت بأن المناهج التعليمية لديكم تعلم الطلبة والطالبات بالمدارس الثقافة الجنسية من عمر صغير ، ويشرحون لهم العلاقة الجنسية كاملة .. أليس كذلك ؟ قال : نعم ، قلت : وهذه فرصة تربوية أخري كذلك ، قال مستغربا : وكيف ذلك ؟ قلت : أنت كأب عليك أن تستبق التعليم المدرسي بأن تعلم أبنائك الثقافة الجنسية من وجهة النظر الإسلامية ، حتي تكون أنت مرجعهم في هذه المسألة ولا يرونك أنك خارج الزمن ، قال : حقيقة هذه نقطة مهمة كذلك ونحن غافلون عنها وقد تربينا علي أن لا نتحدث بهذه القضايا من صغرنا ، قلت: عليك أن تعيش زمان أبنائك لا زمانك ، فاليوم يستطيع ابنك من خلال الهاتف الذكي أن يعرف أي معلومة يطلبها ويتعلمها سمعيا وبصريا ، فلا تعيش بعالم وهمي وتظن أن أبنائك خارج نطاق التغطية ، بل حاورهم وصادقهم وتحدث معهم عن كل شيء ولكن بطريقة حكيمة وذكية ، قال : إن الغرب يدعم اللواط لأنه أقل ضررا من الزنا ، قلت : علي كل حال أنا يهمني أن تعتبر كل خطأ أو معلومة تخالف هويتنا وثقافتنا الإسلامية فرصة ذهبية لتعليم ابنك وتربيته
هذا الحوار الذي دار بيني وبين هذا الأب تكرر معي في أكثر من مدينة أثناء زيارتي لكندا (تورنتوا، نياغرا، لندن، أتوا، فانكوفر) وأنا لا أراها مسألة كندية بل هي قضية تربوية يعاني منها كل أب وأم حتي لو كانوا يسكنون في أقدس بقعة علي وجه الأرض ، إن حرص الوالدين بعدم معرفة ابنهم لمفاهيم ومعلومات تخالف الدين هذا وهم خاطئ ، ولهذا فإنه أكبر خطأ تربوي أن نري الخطأ يعرض أمام أبنائنا ولا نعلق عليه أو نستثمر هذه الفرصة لتربيتهم وتعليمهم ، وكما قيل (وبضدها تتميز الأشياء) فلا يعرف النهار من لم يشاهد الليل ، ولا يعرف الحر من لم يجرب البرد ، ولا يعرف الإيمان من لم يشاهد الكفر ، فلا يزعجنا وجود الشوك لو عرفنا كيف نستمتع بلون الزهرة ورائحتها الزكية