كيف تجعل ولدك (قرة عين) لك ؟
قالت أنا سميت ولدي علي اسم صحابي وبدأت أفقد الأمل في أن يكون مثل ما توقعت ثم تحدثت عن بعض أخلاقه وصفاته التي لا تعجبها ، فقلت لها : كم عمر ولدك ؟ قالت عمره (14) سنة ، قلت : لا تستعجلي بالحكم عليه فهو الآن في مرحلة الإنطلاقة وفك القيود والإرتباط بالأصدقاء ، ولكن المهم أن تكوني قد بذلت معه جهدا تربويا طيبا في صغره ، فما ترينه اليوم ليس بالضرورة يعبر عن شخصيته فكوني متفائله وادعي الله أن يكون مثل ما تتمنين وانتهي الحوار معها .
إن أمانينا في أولادنا لا تتحقق ما لم نعمل ونبذل الجهد لتحقيقها ، ونستطيع أن نحول أمانينا إلي واقع إذا وضعنا خطة تربوية تساعدنا ليكون أولادنا (قرة عين) لنا ، كما وصف الله تعالي أمنية الوالدين بالدعاء الشهير (ربنا اجعل لنا من أزواجنا وأبنائنا قرة عين لنا ) فما معنى قرة العين ؟ وكيف يكون أولادنا قرة عين لنا ؟
هذه أسئلة مهمة وجوهرية ، والجواب علي السؤال الأول هو أن معنى (قرة العين) أي أن يكون الولد صالحا ومطيعا ومحبا لوالديه ويرفع اسمهم وشأنهم وتكون سمعته طيبة ، يعني أن يكون الولد سببا في سعادة والديه بسبب حسن أخلاقه وسمعته وتصرفه وعلاقته بربه ، فيجد الوالدين معه سرورا فلا تطمح العين لسواه ، أما مجرد محبة الوالدين للولد فلا يعتبر ذلك (قرة عين) ، لأن طلب الأبناء وحبهم أمر فطري وقد بشر ابراهيم عليه السلام بولده اسحاق ، وكان موسى عليه السلام قرة عين لأمه ، وورث يحي زكريا ، وسالت دموع سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم لوفاة ابنه ، كما أقسم الله بالولد فقال (ووالد وما ولد) ، ولهذا فإن الأولاد وجودهم إما زينة أو فتنة ، وعدم وجودهم كذلك فتنة وابتلاء ، فهم زينة لأن وجودهم يكسب الوالدين قوة ورفعة ، وفتنة لأن في تربيتهم معاناة ومشقة ، والأبناء نقطة ضعف الوالدين وكما قيل هم (مجبنة ومبخلة) أي يدفعوا الوالدين للجبن والخوف والتقليل من الإنفاق ، أما الإبن العاق فهو كالأصبع الزائد باليد إن ترك شان شكلها وإن قطع آذى قطعه ، ولكن الموفق منا من كان أبنائه زينة له لا فتنة عليه .
أما كيف يكون أولادنا قرة عين لنا ؟ فالجواب علي هذا السؤال موجود بمقدمة (سورة مريم) ، فقد عرض الله تعالي قيم تربوية جميلة ورائعة تصلح لأن تكون خطة تربوية متكاملة بضرب الأمثال في قصة يحي وعيسي وابراهيم وموسي واسماعيل وادريس عليهم السلام ، لو عملنا بهذه القيم المذكورة لصار أولادنا متميزين ولأصبحوا (قرة عين) لنا ، فالمال والبنون زينة وليسوا قيمة ، فلا ينفع أن نقدر الناس بهم ، وقد ذكر الله تعالي المال والبنون في القرآن 24 مرة وفي كل مرة يقدم المال علي البنين إلا في آيتين قدم الله البنين علي المال ، وكأن في ذلك إشارة علي أن الناس في الغالب تشتغل بجمع المال عن التربية ، بل حتى الأمهات في زماننا هذا صاروا يقدمون المال علي التربية ، ويفوضون الخادمة في تربية أبنائهم أو وضعهم في الحضانة ثم يطلبون أن يكون أولادهم (قرة عين) لهم ! فهذا ضرب من المستحيل .
وقد أعجبتني تجربة دكتور مقيم في أمريكا ثلاثين عاما ولما زرته في بيته رأيت أبنائه الستة يتحدثون اللغة العربية بطلاقة فقلت له كيف نجحت في ذلك وهي تعتبر مشكلة رئيسية لدي المغتربين في الغرب ؟ فأجابني جواب بسيط ولكنه عميق ، فقال وضعت أنا وأمهم هدفا في حياتنا أن نعلم أبنائنا في البيت اللغة العربية ونتحدث معهم كذلك وما تراه هو ثمار تحقيق هذا الهدف ، فأول خطوة نعملها إذا أردنا أن يكون أولادنا (قرة عين) لنا ، أن نضع ذلك هدفا ويتم الإتفاق عليه من قبل الوالدين والتعاون علي تطبيقه ، أما لو كانت الخطة تطبق من طرف واحد كالأب أو الأم فإن الهدف سيتحقق ولكن الفترة الزمنية ستطول ، وفي كل الأحوال نقول المهم وجود النية والعزيمة والعمل ونردد الدعاء باللهم اجعل أولادنا قرة عين لنا .