التربية بالموقف أهم من 1000 نصيحة
استغلال المواقف التي يمر بها الطفل وتوظيفها في توجيهه تربويا يكون أثرها أكثر ب 1000 نصيحة عابرة ليس لها علاقة بالحالة التي يعيشها الطفل ، مثل سائق السيارة التي يقرأ لوحات تحديد السرعة ولا يستجيب لها فإذا التقطته كاميرا المراقبه وذهب ليدفع الغرامة المالية يكون قد تلقي درسا لا ينساه طول عمره ،
إن (مدرسة الدنيا) تعتبر عامل مساعد للوالدين والمربين في تقويم سلوك الإبناء ، فالدنيا تربي الإنسان بمواقفها وأحداثها وكما قيل (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب) لأن المجرب أخذ من خبرة الدنيا ، وإني أعرف أما كانت تهلك نفسها من أجل تدريس ابنها المراهق وهو متمرد عليها وعلي مدرسته ، فقلت لها أنت علمتيه كل شيء فاتركيه حتى تعلمه الدنيا ، قالت : ماذا أفعل ؟ قلت لها : أنت تفتحين حقيبته المدرسية وتتابعين دروسه وأحيانا تكتبين الواجب عنه فكان ذلك سببا في تمرده عليك ، اتركيه يواجه مشاكله بنفسه وإذا عاقبته المدرسة لا تتدخلي ، فتركته حتى هددته المدرسة بطرده فكان يأتي يشتكي لأمه وهي تقول له : هذه مشكلتك واجهها بنفسك ، وعاقبته المدرسة أكثر من مرة حتي استقام أمره وصار حريصا علي دروسه
فالدنيا مدرسة نتعلم منها كل يوم شيئا جديدا ، ولهذا كثير من الأمثال خرجت من تجارب الدنيا ومواقفها مثل : (الغريب لو صح أفضل من ألف أخ) و (اللي ما يقنع ما يشبع) و (الحياة تجارب يستفيد منها العاقل) وأمثال كثيرة خرجت من بطن أحداث الدنيا ، فلو قلنا لكل قارئ الآن ماذا تعلمت من الدنيا ؟ لقال الأول : تعلمت أن فشل التجربة لا تعتبر نهاية الحياة ، ويقول الثاني : تعلمت أن تربية الأبناء تحتاج لصبر وروح رياضية ، ويقول الثالث : تعلمت أن قراءة مقال قصير ومركز خير من دراسة شهر ، ويقول الرابع : تعلمت أن كل يوم يختلف عن الآخر ولكن السعيد من كان راضيا وصابرا ، ويقول الخامس : تعلمت أنه لا يوجد فيها سعادة دائمة أو حزن دائم ، وهكذا
ولهذا كان رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم ينوع بأساليب التربية ، فمرة يربي بالقصة ومرة الحوار المقنع ومرة بالهجر ومرة بالنصيحة ، ولكن كان أكثرها توظيف مواقف الحياة وأحداثها في التوجيه ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يوماً وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته ضمته فقال صلى الله عليه وسلم :”أترون هذه طارحة ولدها في النار” قالوا: لا، قال:”والله لايلقي حبيبه في النار؟ ، فاستثمار الموقف هنا لتوجيه تربوي بتوصيل معلومة مرتبطة بصورة ذهنية شاهدها الصحابة فلا ينسونها أبدا ، لأنهم لم يتلقوا المعلومة مجردة وإنما تلقوها مع رؤيتهم للحدث ومشاهدة مشاعر المرأة وهي تضم ولدها الذي فقدته ، فترتبط هذه الصورة بأن الله لا يلقى حبيبه في النار
وموقف آخر عن زيد بن أرقم قال أصابني رمد (التهاب العين ) فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال فلما برأت خرجت، قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :” أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعاً؟” قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال:”لو كانت عيناك لما بهما ثم صبرت واحتسبت للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك” فقد أخر النبي توجيهه التربوي بعد نهاية الحدث ليكون أكثر تأثيرا
وقد يكون الحدث ظاهرة كونية فيعلق عليها النبي تربويا مثل ما ذكره جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر فقال:”إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا” ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}
ولهذا نحن ننصح الوالدين والمربين بأن يلبسوا نظارة توظيف الأحداث تربويا بدل نظارة النصيحة المباشرة والمجردة للأبناء ، لأن التربية بالموقف أهم من 1000 نصيحة ، وحياتنا مليئة بالمواقف كل يوم