(الافتراضات) أكثر سبب يجعلنا نخسر علاقاتنا
أكثر سبب يجعلنا نخسر علاقاتنا أو نحرق صداقاتنا أو نحول علاقة الحب مع الآخرين إلى عداوة وكراهية هو (الافتراضات)، فيكون هوس الإفتراضات متحكم بنا لدرجة أننا نحلل كل موقف أو كلمة أو تصرف بطريقة سلبية، فعندما يتصرف من نحب تصرف نقول (هو قصده كذا) أو (هو يفكر هكذا)، فدائما نفترض افتراضات وكأننا نجعل أنفسنا داخل عقل الآخرين ونفسياتهم وتفكيرهم، فنوزع على الناس افتراضاتنا وتخميناتنا ونحلل نواياهم، ثم نتصرف معهم بناء على هذه الافتراضات التي فرضناها، وفي كثير من الأحيان نكتشف أننا كنا مخطئون فنخسر علاقاتنا مع الآخرين
إن كثرة الافتراضات في تعاملنا مع الآخرين يجعلنا نعيش بمآسي وهم وغم نكون نحن سببه، حتى يصبح مزاجنا سيء بسبب تبنينا لأفكار تحليلية نتوقعها ونفترضها في عقول الآخرين، وربما هم لم يفكروا بها أصلا، وأكثر المواقف الصادمة لنا عندما نتحدث مع الآخرين بتوقعاتنا ثم يقولون لنا (أنتم فهمتم خطأ) أو (نحن لم نقصد ما فهمتم) أو (نحن لم نفكر بهذه الطريقة)، فنكتشف أنفسنا إننا مخطئون في التحليلات أو ندافع عن تحليلاتنا ونتهمهم بالكذب، وهذه مصيبة أخرى فنبرر لتخميناتنا الخاطئة
حتى نحافظ على علاقاتنا علينا أن نتجنب التخمينات والافتراضات، ولأننا لا نستطيع أيقاف عقولنا عن التحليلات فيكون الحل في سؤال الآخرين ومواجهتهم بتحليلاتنا لتصرفاتهم فنقول لهم (ماذا تقصدون من هذه الكلمة أو هذا التصرف؟)، ونقدم جوابهم على تحليلاتنا لأنهم يتكلمون عن أنفسهم، ونعتبر تحليلاتنا خاطئة حتى نثبت أنها صحيحة، فالحوار والسؤال هما مفتاح معرفة تصرفات الآخرين الصحيحة وليس الافتراضات والتحليلات
إن هوس الافتراضات مفيدة في بعض الحالات فهي تنفع المهندس عندما يبني بيتا، وتنفع المصمم عندما يرسم خريطة، وتنفع الطبيب عندما يعالج مريضا، وتنفع المحامي عندما يحضر دفاعه للقضية، وتنفع المسافر عندما يخطط للسفر، وتنفع الأم عندما يبكي رضيعها، وتنفع المقبلين على الزواج عندما يجمعوا المعلومات عن الطرف الآخر، أما في العلاقات والصداقات فإن هوس الافتراضات يفسد العلاقات والصداقات ويحولها لصراعات نفسية واتهامات كلامية بدلا من المحافظة عليها،
فسوء الظن الذي حذرنا الله منه بقوله (إن بعض الظن إثم) أصله عبارة عن افتراض خاطئ، (وقصة حادثة الإفك) في اتهام السيدة عائشة رضي الله عنها وتشويه سمعة بيت النبي صلى الله عليه وسلم أصله عبارة عن افتراض خاطئ، وكذلك حذرنا رسولنا الكريم عن الظن فقال (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) لأن أكثره افتراضات،
ومن خلال خبرتي في حل المشاكل الزوجية وجدت أن أكثرها تعتمد على التفسير الخاطئ للكلمات والتصرفات، وأذكر مرة دخلت علي زوجة وهي تواجه زوجها بتفسيراتها لتصرفاته وهو يقول لها أنا لم أقصد هذا وهو تقول له بلا أنت تقصد، ودارت المعركة كبيرة بينهما على (أنا لم أقصد) و (نعم أنت تقصد)، بينما علاج المشكلة يتحقق بكلمتين وهي (أن صاحب التصرف هو يفسر عن تصرفه، ونحن لا نكذبه ولا نخونه)، لو عشنا في حياتنا بعلاقاتنا بهذا المبدأ وهو ما نسميه (بحسن الظن)، نكون حافظنا على علاقاتنا وصداقاتنا وبيوتنا،
ومن القصص الجميلة في حسن الظن أن تلميذا للشافعي رحمه الله وهو الربيع بن سليمان قالت : (دخلت على الشافعي وهو مريض , فقلت له : قوى الله ضعفك فقال : لو قوى ضعف قتلني , فقلت : والله ما أردت إلاّ الخير , قال : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير) فانظر كيف عالج الشافعي الكلمة بالحوار وإعلان حسن الظن وهذا هو قانون حفظ العلاقات والصداقات ولو طبق عليه الافتراضات لخسر العلاقات