قال : أنا نادم، ما كنت أعرف أن (الأبوة) نعمة عظيمة
قال فرحت عندما رزقت بأطفالي ولم أقضي وقتا معهم فكبروا ثم انفصلت عن زوجتي وصاروا أبنائي بحضانة أمهم ولم أستمتع بأبوتي، ثم سكت والدمعة تنزل من عينه، فقال : أنا نادم على كل لحظة ضيعتها لم أقضها مع أبنائي أتحاور والعب معهم، أدركت أن الأبوة معنى عظيم ونعمة عظيمة لم أشعر بها إلا عندما فقدتها
قلت له : كلامك صحيح، إن الأبوة تجربة ممتعة، فالأبوة تخرج منك أفضل ما عندك لأبنائك، وأحد الآباء اعترف لي يوما قائلا : (لم أكن أتوقع أني سأحب أحدا أكثر من نفسي إلا عندما جربت الأبوة فأحببت أبنائي أكثر من نفسي)، فكلامه واقعي وصحيح، فأبنائك يخرجون أفضل ما عندك في حالة رضاك عنهم، أما عندما يعاندونك ويعصون أمرك ويتمردون عليك فإنهم يخرجون أسوء ما عندك، قال : صدقت وأنا عشت هذا الشعور
قلت : إن الأبوة تعلمك كيف تستمتع بالأمور الصغيرة وبالأشياء الصغيرة لأنك ترى هذه الأشياء بعين طفلك، وأجمل لحظات الأبوة عندما ترى ابنك ينمو ويكبر أمامك وأنت تشعر بالفخر، كما أنك تسعى وتشقى بالحياة وتعرف أن خيرك سيذهب إليهم بعد رحيلك، ومع هذا أنت راضي وسعيد بذلك، وهذا شعور لا يتحقق إلا بالأبوة
قال : هذا معنى جميل لم أفكر به، قلت : مسكين من لم يستمتع بأبوته ويرى العالم من خلال عيون أطفاله، ومسكين من لم يكتشف قدراته ومواهبه من خلال أبنائه، وأجمل ما في الأبوة أنك ترى تأثيرك على شخصية أبنائك من خلال سلوكك وأخلاقك وإيمانك وحتى في طريقة كلامك ومشيتك، فلحظات الأبوة كلها جميلة،
تذكر فرحتك في أول يوم ولد فيه طفلك، وفرحتك في أول يوم يحبوا فيه، وفرحتك في أول يوم مشي فيه لوحده، وفرحتك في أول يوم أكل لوحده، وفرحتك في أول يوم دخل المدرسة، وفرحتك في أول يوم نام لوحده، وفرحتك في أول يوم رأيته يلبس ملابس الكبار، وفرحتك بأول يوم تزوج فيه، وفرحتك بأول يوم توظف فيه، وهكذا تستمر أيام الفرح مع كل جديد في حياة ابنك، وفي كل لحظة أنت تعيش الفرحة والسعادة الأبوية
فأيام الفرح كثيرة عندما تعيش أبوتك وتستمتع بها وكذلك أيام التحديات والأزمات كثيرة، مثل المرض ورفض الأوامر وارتكاب السلوكيات الخاطئة، فهذه كلها تعلمك الصبر والتعايش وضبط النفس والتحكم بالعصبية والغضب، فالأبوة كلها إيجابيات وفيها معاني جميلة ومن حسناتها أنها تحسن علاقتك بأم أولادك، قال : صحيح ولكن ربما بسبب إهمالي لبيتي وأبنائي وعلاقتي مع زوجتي أنا خسرت استمتاعي بالأبوة وبالزواج وحصل الفراق
قلت : حاول أن تستدرك ما فات وتنسق مع أم أولادك الوقت الكافي لأن تعيش مع أبنائك وتستمتع بالأبوة، وابتعد قدر الإمكان من الأبوة السيئة، قال : وماذا تقصد ؟ قلت : إن الأبوة السيئة أساسها الإهمال والعنف والضرب والصراخ والتجاهل والشتم للأبناء، وهذا النوع من الأبوة يجعل الأبناء يتجهون للهروب من البيت والتدخين والمخدرات وتبني الأفكار المنحرفة سلوكيا ودينيا، بالإضافة إلى ظهور مشاكل نفسية وصحية مثل الحزن والخوف والتبول اللاإرادي والعنف والتشتت وعدم التركيز، فطالما أنت كنت مقصر مع أبنائك أثناء زواجك فلا تقصر عليهم بعد طلاقك وتبخل عليهم بوقتك وصحتك
قال : كلامك أثر فيني، وقد مررت بدرس قاس في حياتي، فأول مرة أدرك أن خسارة الأبوة هي خسارة عظيمة كما أنها نعمة عظيمة لم أدركها إلا بعدما فقدتها، وأنتهى اللقاء