حوار مع يائس ومحبط
قال : لقد تعبت من متابعة الأخبار وأعتزلت الناس بسبب ما أشاهده كل يوم من قتل وتشريد وتعذيب للمسلمين ، وصار عندي إحساس بأن القيامة قريبة وأن وضع المسلمين يزداد سوءا ، فأحوالنا لا تسر صديقا ولا تحزن عدوا ، فبلادنا مزقت ووحدتنا قطعت وأموالنا سلبت وأعراضنا اغتصبت والمساجد هدمت وأنا تعبت نفسيا وصحيا مما أشاهد وأسمع ولا أعرف ماذا أفعل ؟!
قلت : إياك أن يدب اليأس في نفسك ، فلو قرأت التاريخ وتأملت السنن الكونية لعشت متفائلا علي الرغم من مشاهدتك للأحداث من حولك ، فنبينا محمد صلى الله عليه ظل يعرض الإسلام علي القبائل والوفود سنوات طويلة وأخرج من وطنه وأبعد عن أهله وشرد أصحابه ثم تحقق النصر والتمكين في المدينة المنورة وصارت الإنطلاقة لتحقيق عدالة السماء ، ولو تأملت كيف فتحت القسطنطينية ودخول الإسلام لأوربا بعد إحدى عشر محاولة لفتحها ، ذهب فيها الشهداء وكثر فيها سيل الدماء ولكن النهاية كانت نصر وتمكين للمسلمين ،
قال : ولكن ما نراه كل يوم من تكالب العالم علينا وعلي ثرواتنا ، ووسائل الإعلام مسخرة ضدنا حتى صار الواحد منا اليوم يخاف أن يقول (أنا مسلم) ، قلت : لو قرأت التاريخ وعرفت ماذا حصل للمسلمين عندما هاجم عليهم المغول فقتلوا في بغداد وحدها ما بين 800 ألف إلي مليون مسلم في أقل تقدير خلال أسبوع واحد ، ودمروا البلاد الإسلامية أشد تدمير حتى حدثت معركة (عين جالوت) فأوقفت الزحف المغولي عند أبواب بلاد الشام ، ثم دخل حفيد (جنكيز خان) بالإسلام وهو (بركة خان) فتحول الدمار المغولي إلي عمار ودخلوا بالإسلام أفواجا وشاركوا في الفتوحات الإسلامية بعد ما دمروا العالم الإسلامي لمدة خمسة وعشرين سنة ، ولأول مرة بالتاريخ يحصل أن يتأثر الغالب بالمغلوب وهذه هي سنة الله في الكون فالتاريخ يعيد نفسه فكن متفائلا فالأمل يحتاج لعمل ، فنوح عليه السلام دعا قومه 950 سنة ولم يمل أو ييأس ، بل حتى وقت الطوفان كان ينصح ابنه بقوله (يا بني اركب معنا) ، فهذه النفسية التي ينبغي أن نكون عليها حتى لو رأينا ضعف المسلمين اليوم ،
قال : ولكن المسلمين اليوم مضطهدين في كل مكان ، قلت : لابد أن يكون لديك يقين بالمثل القائل (أزمة أشتدي تنفرجي) والأية الكريمة (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) ، ونحن لا نعرف ما يخفيه القدر لنا من خير ، ولكن المهم أن نأمن بخيرية القدر وأن نعمل ولا نيأس ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن هذا الدين عظيم وقوي وسريع الإنتشار فقال (ما من بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله الإسلام ، بعز عزيز أو بذل ذليل) فكن متفائلا ، فما من حضارة أو دين إلا ولها تاريخ نهاية إلا الإسلام فهو باقي ودائم ، والتاريخ يعلمنا أن المسلمين كلما خسروا أو أنهزموا في بقعة من الأرض جاءهم النصر والتمكين في بقعة أخرى بنفس الوقت ، فعندما ضعف المسلمين في الشرق قوي المسلمون في الغرب وازدهرت الإندلس ، وعندما خرج المسلمون من الأندلس وسلطت عليهم محاكم التحقيق والتعذيب نهض العثمانيون ودخلوا أوربا فاتحين حتي وصلوا إلي مشارف عاصمة النمسا ، وعندما دخل الصليبيون إلي بلاد المسلمين نهض السلاجقة ليبنوا دولة وحضارة ،
فما من نكبة تحدث للمسلمين في مكان إلا ويكون مقابلها نجاح في مكان آخر ، وفي واقعنا المعاصر تجد نجاحات في ماليزيا وفي تركيا علي الرغم من المآسي التي نعيشها في بلادنا العربية ، فالأمة الإسلامية قد تمرض ولكنها لا تموت ، فانظر إلي التوجيه الرباني لإبراهيم عليه السلام عندما ضعف أمله من الرزق بالولد وبشرته الملائكة فقال : (قال أبشرتموني علي أن مسنى الكبر فبم تبشرون ، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) ورزق بالولد ، قال : سأنقل هذه الحوار إلي أولادي لأن كل ما سألتك عنه دار في جلستنا العائلية منذ أيام ، وصدق الله (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)