حوار مع امرأة تشعر بالوحدة
قالت : أنا متزوجة ولكني أشعر بالوحدة ، وعندي طفلين ومع هذا أشعر بالوحدة ، وكذلك أنا امرأة عاملة وعندي التزامات اجتماعية وصديقات ومع هذا كله أشعر بالوحدة ، فهل شعوري هذا صحيح أم خطأ ؟ قلت : إن الشعور بالوحدة يحدث للإنسان من عدة أسباب ، فقد تكون العلاقة الزوجية غير مستقرة أو بسبب غياب الزوج أو تحمل مسؤلية تربية الأبناء أو عندما تتخلى أحدى صديقاتك عنك أو عندما تشعرين بأنك شخص غير مرغوب فيك أو لا يوجد شخص يفهمك أو ليس لديك من يشاركك إهتمامك علي الرغم من كثرة إنشغالاتك
قالت : لقد وصفت لي حالى فأنا علي الرغم من كثرة إنشغالاتي أشعر بالوحدة ، وأريد أن أتخلص من هذا الشعور فهو يؤذيني ، قلت : إن الشعور بالوحدة هو مشاعر داخلية في النفس ، فقد يولد الطفل وحيدا وليس لديه شعور بالوحدة ، وقد يكون الطفل لديه عشرة أخوة ولديه شعور بالوحدة ، فليس بالضرورة أن يكون الزواج أو الأصدقاء علاجا للوحدة ولكنها تخفف من الشعور بالوحدة ، وكلما كبر الإنسان بالعمر كلما شعر بالوحدة أكثر حتى يقابل ربه وحيدا ،
ثم أن الشعور بالوحدة ليس هو شر دائما فالإنسان يحتاج بين فترة وأخرى أن يعيش وحيدا ولو كان متزوجا ولديه أبناء وعنده التزامات كثيرة ، فالوحدة تساعد الإنسان علي التفكر والتأمل والتدبر وهذه من العبادات المفقودة اليوم ، فأهم القرارات الإستراتيجية بالحياة يتخذها الإنسان عندما يفكر لوحده ، وقد كان رسولنا الكريم يحب الخلوة ويعتكف في شهر رمضان المبارك ، فالشعور بالوحدة طبيعي عندما تكوني متميزة أو موهوبة أو مبدعة ، أو عندما وتحاولين إصلاح الخطأ في المجتمع أو توعية الناس وتذكيرهم بالخير الذي أمرنا به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فحينها ستشعين بأنك وحيدة ، وقد وصف رسولنا الكريم هذا الحال بقوله (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. قالوا: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: الذين إذا فسد الناس صلحوا)
ولو تأملت فإن أغلب الأنبياء مرت عليهم ظروف عاشوا بمشاعر الوحدة فيونس مكث في بطن الحوت وحيدا ويوسف ظل وحيدا في البئر وفي قصر العزيز وموسى عاش غريبا وحيدا خارج بلده سنوات طويلة ومحمد صلى الله عليه وسلم شعر بالوحدة في عام الحزن وفي مواقف كثيرة ، فالوحدة شعور طبيعي للإنسان فلا ينبغي أن يحزنك ، أما الإنطوائية والرهاب الإجتماعي كأن يخاف الإنسان من مواجهة الناس فهذا مرض ينبغي علاجه ، وأشد أنواع الوحدة ألما هي الوحدة العاطفية وهي أن لا تحبي أحدا أو لا يحبك أحدا وهي أشد من الوحدة الجسدية التي تتحدثين عنها
قالت : شعرت بالراحة بعدما سمعت كلامك هذا ، وأنا ظننت أني أعاني من مشكلة الوحدة ولكنى أكتشف أن شعوري بالوحدة طبيعي بسبب تميزي ووجود طموح عالى لدي ، قلت لها : نعم شعورك صحيح وقد كان علماؤنا في بعض الأحيان يتعمدون الجلوس لوحدهم من أجل التفكر والإنتاج الفكري وانجاز عملهم الخاص ولكن لا ينبغي للوحدة أن تكون علي حساب إهمال حقوق الآخرين وواجباتهم فقد وصف أحمد بن حنبل رحمه الله بأنه (كان أصبر الناس علي الوحدة ، وقال عنه ابنه عبدالله : لم يره إلا في المسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض وكان يكره المشي في الأسواق) ، وقال ابن الجوزي (إحذر معاشرة الجهال فإن الطبع لص) ، ومع هذا كله فإن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حث علي المخالطة الإيجابية للناس فقال : (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) لأن في مخالطة الناس من الإيذاء والنكد ، ولكن المؤمن يحتسب ذلك لله وينوى في مخالطتهم تعليمهم وتوجيههم ونشر الخير بطريقة يقبلها الناس ، قالت : الآن صار عندي وضوح رؤية في موضوع العزلة والإختلاط بالناس وصرت لا أرى نفسي معقدة أو غير أهلي وصديقاتي فشكرا لك والحمد لله أني لا أعاني من وحدة عاطفية