أرادت معلمة أن تعلم الأطفال في المرحلة الإبتدائية بالمدرسة خلق العفو والمسامحة، فقالت لهم كل واحد منكم غدا يأتي إلى المدرسة ويحضر معه كيس ويضع فيه من البطاطا بعدد الأشخاص الذين تكرههم، وفي اليوم التالي حضر كل طالب مع كيسه وبعضهم وضع في الكيس بطاطة واحدة وبعضهم بطاطتين وبعضهم خمس بطاطات وهكذا، ثم طلبت المعلمة منهم أن يحملوا هذا الكيس كل يوم من الصباح إلي المساء ولا يتركونه أبدا حتى أثناء المشي أو النوم، فانطلق الأطفال من المدرسة وكلهم حماس لتنفيذ هذا التمرين، وكان كل واحد منهم يحمل كيسه طول اليوم واستمروا علي هذا الحال أسبوعا كاملا، وبعد أيام بدأ البطاط يخرج ريحة عفنه فاشتكى الأطفال للمعلمة من كراهية الرائحة ولكنها أصرت علي أن يستمروا في حمل الكيس حتى ينتهي الإسبوع
وبعد أسبوع من التعب والمشقة وضع كل طالب كيسه في الفصل فقالت لهم المعلمة إن هذا التمرين يعلمنا سلبية الكراهية وإيجابية العفو والمسامحة، فاستغرب الأطفال من كلامها ثم بدأت تشرح لهم بأن القلب يكون ثقيلا إذا حمل الأخلاق السيئة مثل الكراهية والحقد لأحد الأقرباء أو الأصدقاء، مثل الثقل الذي شعرتم به أثناء حملكم للكيس طول الإسبوع ورغبتكم بالتخلص منه ومن رائحته العفنة، فالكيس نتخلص منه برميه بسلة المهملات والكراهية نتخلص منها بخلق العفو والمسامحة، فابتسم الأطفال وفهموا الدرس جيدا وتعلموا أهمية العفو والمسامحة
درس عملي جميل قامت به معلمة مميزة فعلم النفس المعاصر أثبت أن 50% من حالات التعب والإرهاق نتيجة امتلاء القلب بالهموم والمشاغل والأخلاق السلبية، ولهذا كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجزي السيئة بالسيئة وإنما كان يعفو ويصفح عليه السلام، والقرآن بين لنا أن خلق العفو قريب من خلق التقوى وهو من أعظم الأخلاق قال تعالي (وأن تعفوا أقرب للتقوى) ، فخلق العفو من الأخلاق الصعبة والتي تحتاج لمجاهدة النفس، وخاصة إذا كان الغلط أو الإيذاء من قريب أو صديق أو زوج فإن الأثر يكون أكبر والعفو يكون أصعب،
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو كم مرة يمكننا أن نعفو لمن آذانا ؟ والجواب علي هذا السؤال أنه لا يوجد عدد محدد لمرات العفو ، فالعفو قضية اختياريه والهدف من العفو هو الإصلاح، فعندما نعفوا عن شخص يفترض أنه استفاد من هذا العفو ليستقيم سلوكه ولا يكرر إيذائه مرة أخرى، فإن استمر بالإيذاء فيعنى ذلك أنه لم يستفد من العفو في إصلاح خطأه، ولهذا نلاحظ أن يوسف عليه السلام على الرغم من شدة المعاناة التي عاشها بسبب رمي إخوانه له بالجب إلا إنه عفى عنهم وقال (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) فاعتذر له إخوانه واستقامت حالتهم، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عفى عن قومه عندما فتح مكة وقال لهم أذهبوا فأنتم الطلقاء، وهذا كان أول عفو في العالم بعد إيذاء استمر أكثر من 20 سنة، فلا مانع من تكرار العفو بشرط أن لا يترتب علي العفو إهانة من يؤذيك أو وعدم احترامه لك،
وأذكر مرة اشتكى لي شخص من عدم قدرته علي نسيان من أساء إليه فقلت له من الوسائل التي تساعدك علي نسيان الإيذاء ومسامحة من أخطأ في حقك أن تذكره بالخير أمام الآخرين وأن تدعوا له وأن تقدم له هدية حتى تكسر ما في نفسك من هم أو كراهية تجاهه وتستمر بمثل هذه الوسائل حتى تتجاوز المشكلة
@drjasem
د جاسم المطوع
الخبير الإجتماعي والتربوي