ما هو أكثر شيء يفرح ابليس ؟
اشتكت إلي احدى الزوجات من كثرة علاقات زوجها المحرمة مع النساء، فلما تحدثت مع زوجها قال لي : نعم ما ذكرته زوجتى صحيح وأنا ضعيف أمام شيطاني فهو دائما يغلبنى وقال باللهجة الدارجة (قص علي ابليس)، فقلت له : إذن في الجلسة القادمة سأطلب شيطانك حتى أتكلم معه لأنه هو السبب في ارتكابك للحرام، فنظر إلي نظرة استغراب ثم ابتسم وقال : لأول مرة أفكر في هذه العبارة التي دائما أرددها وكنت أظن أن الشيطان هو السبب، فقلت له : لا، الشيطان مهمته أنه يعطيك الفكرة فقط، ولكن القرار والتنفيذ أنت المسؤول عنه، انتهى الحوار معه ولكن مثل هذا الحوار تكرر معي مع أكثر من شخص، فكثير من الناس يظن أن الشيطان هو السبب في الوقوع بالحرام ولا يحمل نفسه أي مسؤولية
ولهذا طرحت فكرة في الشبكات الإجتماعية من يومين وقلت للمتابعين لنجرب هذا التمرين لنعرف من يغلب نحن أم الشيطان، ثم طلبت منهم أن يجلسوا بعد كل صلاة لمدة دقيقة واحدة لا يتحركون ولا يقومون وإنما يذكرون الله تعالى، وكانت المفاجأة وأنا أقرأ التعليقات أن كثيرا منهم كانوا يجاهدون أنفسهم جهادا كبيرا حتى يجلسوا هذه الدقيقة، وكان أكثر سبب يدعوهم للقيام سريعا بعد الصلاة إما أنهم تذكروا مهمة لابد من انجازها أو أن أصابعهم تقفز علي الهاتف النقال لتتابع أخر ما في الشبكات الإجتماعية، وكل هذه الأفكار من الشيطان حتى يضيع علي الإنسان فرصة الذكر ويحرمه من الأجر العظيم، لأن الشيطان من سياسته أنه يصل لهدفه من خلال الخطوات الصغيرة ولهذا وصف الله تعالى الاعيب الشيطان بقوله (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، فالشيطان لا يقول للإنسان اقتل أو أزني أو أكذب أو أسرق وإنما يأخذه بإسلوبه الساحر بالتدريج
وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابليس واضع عرشه علي الماء ويرسل جنوده كل يوم للتحرش بين الناس وإغوائهم للوقوع في المحرمات ثم يعقد اجتماع في آخر النهار بمجلسه الخاص كل يوم ليسمع تقارير الإنجاز من جنوده، فيقول له أحدهم ما تركت فلان حتى سرق، ويقول الآخر ما تركت فلان حتى زنى، ويقول الثالث ما تركت فلان حتى شرب الخمر وهكذا، وابليس يسمعهم وهو يعلق علي كل واحد (ما صنعت شيئا)، حتى يقول أحد الجنود ما تركت فلان وزوجته حتى فرقت بينهما، فيفرح ابليس لهذا الخبر بالتفرقة بين الزوجين ويمدح هذا الشيطان فيقول له (نعم أنت نعم أنت)،
ولعل السؤال المهم هنا لماذا فرح ابليس كل هذا الفرح علي خبر التفرقة بين الزوجين ولم يفرح علي ارتكاب الزنى وشرب الخمر والمعاصي الكبيرة؟ لعل المتأمل في هذا الموضوع يلاحظ أن المعاصى الكبيرة مثل الزنى وشرب الخمر والكذب وغيرها جعل الله لها كفارة أو توبة أو تذهب بإقامة العقوبة علي مرتكب الجريمة وينتهى الأمر، ولكن عندما يتم التفريق بين الزوجين فأول شيئ تخسرة الأسرة هو (سلطة القرار) فلو كانت الإسرة مستقرة وارتكب الإبن خطأ أو منكر فإن سلطة الأب أو الأم تقوم السلوك المعوج، ولكن عندما يتفرق الوالدين وربما يتزوج الأب من أخرى ويحدث خلاف علي الحضانة والأم ترعى الأطفال لوحدها ويصير عمرهم بسن البلوغ فلا تستطيع السيطرة عليهم، فإذا تمرد الأبناء وتعرفوا علي صحبة سيئة ففي هذه الحالة تحول الإبن إلي جندي من جنود ابليس وصار صديقا لجنود ابليس من حيث لا يشعر،
وثاني شيء تخسره الأسرة بعد خسارتها (لسلطة القرار ومركزيته) هو (ضعف التربية) للأبناء لأن الأب سيفتح بيتا جديدا وكذلك الأم ربما تفتح بيتا جديدا وتتزوج ففي مثل هذه الحالات صار الأبناء لقمة سهلة لإبليس وجنوده، فلهذا السبب يفرح ابليس عند حصول التفرقة بين الزوجين لأنه من أهدافه أن يكثر جنوده من الجن والإنس وهذا هو الوعد الذي ذكره لرب العالمين كما قال تعالى علي لسان ابليس (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)
@drjasem
د جاسم المطوع
الخبير الإجتماعي والتربوي