حوار مع الظل برمضان
تلفت حولي فلم أجد ظلي !! رفعت بصري إلى السماء وإذا بالشمس في كبد السماء , ولا يوجد أي أثر لغيم أو سحاب , ثم تلفت حولي فلم أجد ظلي ، قلت في نفسي : سبحان الله !! أين ذهب , لقد كان يسير بجواري .. رجعت إلي الوراء باحثاً عن ظلي , فوجدته بقرب صخرة قلت له : أين أنت يا ظلي ؟ لماذا لم تتابع السير معي ؟ فقال: لقد مللت من السير معك ، قلت : وما السبب ؟! قال : لأنك ترغمني على أماكن لا أرغب بها , وإنك تفعل أعمالاً في ظاهرها الإخلاص وفي باطنها الرياء , فيا ليتني لم أكن ظلك .
قلت : إنك تتمني فراقي , والناس يتمنون لقائي , قال : الناس يعرفون مظهرك , وأنا أعرف مخبرك قلت : وما قصدك ؟ قال : قصدي أنت تعرفه جيداً ” فإن ” جواهر الأخلاق تفضحها المعاشرة ” والناس لا يعاشرونك مثلي ولو نظرت إلى قلبك لرأيت فيه السواد ، قلت : وما سبب سواده ؟ قال : هو عدم الإخلاص في الأعمال , والرياء في المعاملات، قلت : وهل يؤثر هذا الخلق في القلب لهذه الدرجة ؟
قال : نعم , فإن الإخلاص هو أصل العمل ، حتى قيل في الأمثال ” قل لمن لا يخلص لا تتعب ” وقد أمر الله تعالى به بقوله : ” وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ” قلت : وهل تضرب لي مثلاً على ذلك ؟ قال : لا بأس , ولكن تدبر ما أقول : ” إن الشجرة إذا تبين عروقها , انقطعت عن شربها , وجف ورقها , ولم تثمر , وذهب قدر قيمتها أما إذا غاصت عروقها , كثر شرابها فاخضر ورقها , وطاب ثمرها , وكثر قدر قيمتها ..” قلت : ولكن هذا الأمر شديد على نفسي !!
قال : صدقت , لأن النية من أكبر الأبواب التي يدخلها الشيطان , فيفسد على المرء عمله , ولهذا قال سفيان رحمة الله ” ما عالجت شيئاً أشد علىٌ من نيتي “قلت : ولكن الناس لا يعرفون أنني مراءٍ ، قال : وهل أنت ممن يتعاملون مع الناس أم مع رب الناس ؟ .. فالله تعالي لا تخفى عليه خافية ” فالكل مكشوف عنده يوم القيامة ، قلت : لقد غيرت نظرتي لنفسي يا ظلي ولكن ما هي علامات المرائي ؟
قال : قال على بن أبي طالب رضي الله عنه ” للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان مع الناس ويزيد في العمل إذا أثنى عليه وينقص إذا ذم ، فتحرك بنية قبل أن يحرقك ظلك ، قلت مستغرباً : وهل الظل يحرق ؟
الظل : نعم يا صاحبي .. لأن هناك نوعين من الظل : ظل مذموم : وهو في قول الله تعالى : ” فانطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب ,لا ظليل ولا يغني من اللهب ” أي انطلقوا على ظل دخان جهنم المتشعب ( لا ظليل ) أي لا يقي حر ذلك اليوم ( ولا يغني من اللهب ) أي ولا يدفع من حر النار شيئاً، وظل محمود : وهو ظل الجنة لقوله تعالى : ” في سدرٍ مخضودٍ, وطلح منضودٍ , وظل ممدودٍ , وماءٍ مسكوبً ” ” والجنة كلها ظل لا شمس فيها “، فاختر أي الظلين شئت يا صاحبي، وقل لمن لا يخلص لا تتعب، فتراب الإخلاص خيرو من زعفران الرياء، فهذا حوار تخيلته مع سجادة في شهر رمضان الكريم وتقبل الله طاعتكم