السعادة في قصة ملعقة الزيت
يحكي أن تاجرا كان لديه ابن يشكو من التعاسة ولكي يُعلمه معنى السعادة، أرسله لأكبر حكيم موجود بذلك الزمان، وحين وصل لقصر الحكيم وجده فخما وعظيما وكبيرا من الخارج، فرحب به الحكيم وسأله ماذا تريد؟ فقال : هل لك أن تخبرني بسر السعادة ؟ فرد الحكيم : أنا ليس لدي وقت لأعلمك هذا السر، ولكن اخرج وامشى بين جنبات هذا القصر ثم ارجع لي بعد ساعتين، ووضع بين يديه ملعقة بها قليل من الزيت و قال له : ارجع لي بهذه الملعقة واحرص على ألا يسقط منها الزيت ، فخرج الشاب وطاف بكل نواحي القصر ثم رجع إلى الحكيم، فسأله الحكيم : هل رأيت حديقة القصر الجميلة المليئة بالورود؟ قال الشاب : لا !! فسأله مرة أخرى : هل شاهدت مكتبة القصر وما فيها من كتب قيمة ؟ فرد الشاب : لا !! فكرر الحكيم سؤاله : هل رأيت التحف الرائعة بنواحي القصر ؟؟ فأجاب الشاب :لا !! فسأله الحكيم : لماذا ؟ فرد الشاب : لأنني لم أرفع عيني عن ملعقة الزيت خشية أن يسقط مني، فلم أري شيء مما حولي بالقصر ،
فقال له الحكيم : ارجع وشاهد كل ما أخبرتك عنه وعد إليّ، ففعل الشاب مثل ما قال الحكيم وشاهد كل هذا الجمال ورجع إليه، فسأله الحكيم: قل لي ماذا رأيت ؟ فانطلق الشاب يروي ما رأه من جمال وهو منبهر و سعيد، فنظر الحكيم لملعقة الزيت التي بيده فوجد أن الزيت سقط منها، فقال له : انظر يا بني هذا هو سر السعادة !! فلم يفهم الشاب وقال : ماذا تقصد ؟
قال الحكيم : نحن نعيش في هذه الدنيا وحولنا الكثير من النعم التي أنعمها الله علينا، ولكننا نغفل عنها فلا نراها ولا نقدرها لإنشغالنا عنها بهمومنا الصغيرة ومشاغل الحياه، فالسعادة يا بني أن تقدر النعم وتسعد بها وتستمتع بها وتنسى ما ألم بك من هموم ومشاكل، مثل حملك لملعقة الزيت واستمتاعك بجماليات القصر، وليست السعادة أن تنشغل بجماليات القصر وتنسى ملعقة الزيت فتكون قد خسرت تحقيق هدفك، فالسعادة في التوازن فأخذ الشاب درسا لن ينساه في السعادة.
إن كثير من الناس يرى السعادة في المال أو في العلاقات والصداقات أو في المنصب الرفيع والوظيفة المرموقة ولكن هذه كلها ليست دائمة والدنيا فيها متقلبة ومع هذا فإنها تساهم في السعادة ولكن ليست هي السعادة، وإنما السعادة تتحقق في شيء واحد وهو أن تكون راضيا ومطمئنا مهما كان الظرف الذي تعيشه، ولا يتحقق الرضى والطمأنينة إلا (بالتوازن)، ونقصد بالتوازن بين احتاجاتك كفرد واحتياجات المجتمع، فلا تكون انطوائيا وتترك التواصل مع الآخرين أو تكون اجتماعيا طول اليوم ولا تخصص وقتا لنفسك، وكذلك التوازن بين تحقيق متطلبات الجسد من طعام وراحة ونظافة ورياضة ومتطلبات الروح من صلاة وأذكار وحسن عبادة لله تعالى، والتوازن بين الدنيا والآخرة، فلا تصرف كل وقتك من أجل الدنيا على حساب الآخر ولا تزهد بالدنيا وتعيش كل حياتك للآخرة، فالتوازن هو سر السعادة في الحياة،
ولهذا تجد مريضا أو فقيرا أو أعزبا سعيدا ويعيش الرضا والراحة والطمأنينة علي الرغم من معاناته، لأنه استطاع أن يحقق معادلة التوازن في الحياة، فإذا أضفنا علي معادلة التوازن الإيمان بالقدر خيره وشره واعتقاد الإنسان بأن كل ما كتبه الله له خير، ففي هذه الحالة يبلغ تمام السعادة، وهذه إضافة جميلة علي التوازن الذي تحققه قصة الزيت في الملعقة، وهو أن يستمتع من كان يحمل ملعقة الزيت بمناظر القصر ومع ذلك لا تسقط منه قطرة الزيت، فهذه معادلة صعبة ولكن هذا هو قانون السعادة الذي ينبغي أن نسعى لتحقيقه