أنا مخنوقة ومحروقة.. ماذا أفعل؟ !
تحدثت معي بحسرة وحرقة وصرت لا أميز كلامها من كثرة بكائها وهي تشرح لي ظلم طليقها لها بحرمانها من طفلها الصغير الذي مازال رضيعا فقد أخذه لبيت أهله وحرمها منه لأنها طلبت الانفصال بسبب ظلمه لها وارتكابه المنكرات وعدم إنفاقه عليها ، وازدادت حسرتها عندما علمت أن أهله الطيبين وقفوا مع ابنهم ضدها في ظلمه عليها وأيدوا حرمانها من رضيعها فلم يبقَ أمامها إلا الشرطة والقضاء فلما لجأت إليهما تعبت كثيرا من طول الإجراءات الإدارية والوعود الوردية والتي هي بعيدة كل البعد عن الجوانب الإنسانية ، فازدادت حرقتها وازداد ألمها وصارت لا تثق بالناس ولا بالمجتمع ولا بمن حولها بسبب كثرة الظلم عليها ، فقالت لي وصوتها يرتجف بسبب حسرتها وألمها: والله إني أشعر أني(مخنوقة ومحروقة ).
هذه المرأة السعودية تحدثت معي وهي باكية فذكرتني بقصص كثيرة عشتها ومنها لامرأة كويتية عرضت قضيتها علي عندما كنت قاضيا بالمحكمة ، وأذكر أنها أم لطفلة طلقها زوجها ظلما وعدوانا ، فلما علمت أنه وإخوانه في الطريق إليها لأخذ طفلها الرضيع والوحيد عنوة وجبرا منها خرجت به مسرعة من بيتها ووضعت طفلها بقرب جدران أحد المنازل القريبة من بيت أهلها ، وقالت لطليقها : ابحث عن طفلك فهو ليس عندي ولا أعلم مصيره.
وقصص أخرى نعيشها كل يوم في الظلم الواقع على المطلقات والمحرومات من أطفالهن وإني أتساءل لماذا ندفع المرأة للتفكير في مثل هذه الأفكار المجنونة والشريعة الإسلامية قد أعطتها حق الحضانة وخاصة للأطفال الصغار ، ولماذا لا نخصص أجهزة في الدولة للقضايا المستعجلة والمتعلقة بالجوانب الإنسانية ، ولماذا نرى الظلم واضحا وبيناً في العلاقات الأسرية وليس لدينا جواب لمن يستشيرنا سوى أن نقول له اصبر وسيأتيك الفرج ، فنحن في هذه الحالة نشجع الظالم على ظلمه . والأصل في الطلاق بين الزوجين أن يكون تسريحا بإحسان وليس بانتقام ، وأتمنى أن يكون عندنا قانون يجرم أحد الزوجين إذا أقحم طفله في الخلاف الزوجي حتى نحمي أطفالنا نفسيا وتربويا ونؤدب الظالم ونردعه عن التمادي في ظلمه.
والمتأمل في آيات الطلاق في القرآن وعددها لا يتجاوز عشر آيات يلاحظ أنها كلها تحدثت عن الخلاف بين الزوجين ولم تذكر الأبناء أثناء الطلاق ، وهذا يفيد أن العلاقتين منفصلتين عند اتخاذ القرار ، ولكن ما نراه اليوم من بعض الرجال أنهم يلوون ذراع زوجاتهم بورقة الأطفال ويحطمونهن نفسيا بسحب الطفل الصغير من أمه ، وهذا يقودنا للرجوع لمرحلة الخطبة قبل الزواج والاختيار ، فنختار من عنده تقوى من الرجال ولو كانت قليلة ولهذا أغلب آيات الطلاق بالقرآن تنتهي بالتوجيه بالتقوى حتى قضية النفقة بعد الطلاق كما قال تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) فالمتقي سلوكه مختلف أما المطلق الظالم فلا يؤخذ منه الحق إلا بالقوة والعنوة أو من خلال القانون.
وفي نهاية مكالمتي (للمخنوقة المحروقة) قلت لها تذكري قصة (أم موسى عليه السلام) كيف أن الظالم الكبير فرعون لما أخذ منها طفلها ورضيعها حرّم الله عليه المراضع ليرد الحق لأهله بعدما أصبح فؤادها فارغا من كل شيء إلا من موسى ، فأكرمها الله بأن جمعها بوليدها بالخطة الذكية التي ابتكرتها أخته فتحققت أمنية أمه بأن أرضعته ورد الله عليها طفلها فاستقرت نفسها وسعدت بلقائه.. وأنت كذلك تفاءلي بالخير فإن الله سيجمعك بطفلك بإذن الله والظلم ظلمات يوم القيامة وكما قيل (يا ظالم لك يوم).
فقالت : والله كلماتك شجعتني وريحتني وإن كنت أنا (المخنوقة المحروقة) ولكن بعد ما ذكرت لي (قصة أم موسى عليه السلام) وكيف أن الله أهلك الظالم ورد عليها وليدها أقول لك الآن وبكل ثقة : إنني لست المخنوقة ولا المحروقة وإنما أنا ( المتفائلة والمرموقة) فأم موسى أفضل مني وقد ابتلاها الله تعالى ببلاء عظيم وهو أخذ وليدها ثم رده عليها فكيف ببلائي وأنا أقل منها بكثير ! وانتهت المكالمة.
وأختم بهذه الرسالة التي وصلتني من ساعة على حسابي بالتويتر وهذا نصها (أنا مطلقة محرومة من أولادي منذ ما يقارب سنة وأخذت حكم الزيارة من المحكمة ولم ينفذ حتى الآن لأنه لا يريدني أن أراهم) وهذه جزء من الشكوى وأكتفي بهذا القدر لختام المقال .. والرأي لكم.