متى نستخدم الطلاق السري ؟
عرضت علي قضية زوج اتفق مع زوجته على الانفصال بعد زواج دام عشرين عاما وتحدثا معي على أنهما متفقان على الانفصال ، ولكنهما يخشيان أن يؤثر هذا القرار على زواج ابنتهما المقبلة على الزواج وتدارسنا ظروف قرارهما بالانفصال فرأيته منطقيا ، ثم وضعنا خطة لانفصالهما بعد تزويج ابنتهما وكان أكبر تحدٍ أمامهما هو كيف لا يؤثر طلاقهما على زواج ابنتهما فاقترحت عليهما أن يكون الطلاق سرياً وغيرمعلن إلى حين انتهاء مراسيم الخطبة والزواج لابنتهما ثم يعلنان الطلاق بعد ذلك في الوقت المناسب ، فاستغربا من الحل الذي قدمته لهما ، وقالا لي : هل يمكن ذلك ؟ قلت لهما : نعم وذلك لمصلحة تزويج ابنتكما فنوقع الطلاق على أن لا يعرف به أحد غيركما ، ونخبر ابنتكما أن بينكما خلافا ثم تشهرون الطلاق في الوقت المناسب لأن الطلاق يقع بمجرد التلفظ وتحقق أركانه ، فأما الإشهار والتوثيق فهو مهم من الناحية القضائية حتى يتم توزيع الحقوق بين المطلقين ، فاستقر الرأي على ذلك وأوقع الزوج الطلاق على زوجته من غيرعلم ابنته ، وتمما زواج ابنتهما خلال سنة ثم أخبرا الأهل بالانفصال وتم توثيق الطلاق بالمحكمة بعد ذلك ، وكانت تجربة ناجحة بتفهم الزوجين للظرف والسعي لنجاح زواج ابنتهما.
وقصة أخرى عشتها مع زوجة تريد الانفصال عن زوجها بسبب كثرة ضربها وبخله وانحرافه سلوكيا مع الفتيات وشرب الخمر ولكنها لا تريد أن يتأثر أبناؤها بالانفصال وخاصة أن أعمارهم في سن المراهقة ، وتخشى من عدم سماع كلامها وطاعتها لأنهم يراعون توجيهات أبيهم أكثر منها ، وزوجها يريد السفر للخارج لاستكمال تعليمه وليس لديها رغبة بالزواج من آخر ، فقلت لها : إذاً يمكنك البدء بإجراءات الطلاق وتوثيقه بالمحكمة واتفقي مع زوجك على إخفاء خبر الطلاق عن أبنائك لتستمر هيبتك أمامهم تربويا ثم تخبرينهم بالوقت المناسب ، وفعلا هذا ما حصل فقد تم الطلاق رسميا وأخبروا أهلهما ولكنهما أخفوا ذلك عن أولادهم لمدة سنتين حتى تحقق هدفهم التربوي ثم أخبروهم بالانفصال.
فالأصل في الطلاق العلانية والاستثناء هو السر وتقدر الحالة بحسب مصلحة الأسرة والحفاظ على أبنائها من بعد أخذ رأي الخبراء والتشاور معهم ، فالطلاق تشريع رباني ينبغي أن يكون بإحسان لا انتقام وهو دواء مفيد لو استخدم في الوقت الصحيح فكم من مشكلة زوجية أو تمرد لأحد الزوجين تم معالجتها بالطلاق.
وأذكر أن رجلا جاءني يشتكي من صعوبة التعامل مع زوجته العنيفة والمتمردة فوضعنا أكثر من خطة للتعامل معها إلا أن كل الحلول فشلت واستمرت على تهورها وعدم مبالاتها ، فقلت له : إذاً علينا أن نغير استراتيجيتنا في العلاج وأن نستخدم سلاح الطلاق فلما صارحها بنيته للانفصال لم تلتفت لطلبه واستمرت على تمردها فقلت له : إذاً طلقها طلقة أولى تأديبية فلما طلقها حدثت المفاجأة وتغير سلوكها للأفضل تماما وصارت كأنها امرأة أخرى ، فأرجعها وانتهت المشكلة.
وقصة أخرى عشتها عكسها تماما لرجل متهور ومتمرد يتعامل مع بيته على أنه فندق للنوم فقط وكل المسؤوليات ملقاة على رأس زوجته وقد تعبت كثيرا من محاولة علاجه فقلت لها : جربي أن تلوحي له بالطلاق فلما بدأت تلوح له برغبتها بالطلاق تغير موقفه وأحس أنه سيفقد الكثير وصار متعاونا معها وانتهت المشكلة.
بعد ذكر هذه القصص أريد أن أهمس في إذن القارئ أن لا يتحمس لما أقول فيبادر اليوم بالتهديد بالطلاق أو بطلب الطلاق فكل قصة ذكرتها بالمقال فيها تفاصيل كثيرة لم أبينها لضيق المساحة ، ولكني أردت توصيل فكرة للقارئ بتكنيك نستخدمه أحيانا لعلاج المشاكل الزوجية ، ولو رأى القارئ أن هذا الأسلوب يصلح لحالته فعليه عدم الاستعجال في تطبيقه والتشاور مع أهل الاختصاص لاتخاذ القرار المناسب لحالته ، لأن الطلاق مثل دخول المريض لغرفة العمليات يحتاج قبلها لتحضيرات وفحوصات كثيرة وأثناء إجراء العملية يحتاج أن يدخل معه الخبراء والمختصون وبعد الانتهاء منها يحتاج لرعاية خاصة ليحافظ على نجاح العملية وتجاوزها بسلام ، وهكذا الطلاق يحتاج قبله عمل تحضيرات وفحوصات وموازنات وأثنائه يحتاج إلى دعم من المختصين والمستشارين وبعده يحتاج المطلق إلى رعاية خاصة لتجاوز مشاكله التربوية والمالية والنفسية بعد الانفصال.
فالطلاق السري علاج استثنائي لا ننصح باستخدامه إلا لأسباب تربوية وبعد استشارة المختصين وموازنة الإيجابيات والسلبيات .