هذه الورقة أهم من ورقة الطلاق
قرار الانفصال من القرارات المصيرية في الحياة الزوجية وخاصة إذا جاء بعد مرور أكثر من عشر سنوات من العِشرة ، وأكثر الذين يفكرون بالانفصال يترددون كثيرا بسبب الخوف من المستقبل وخسران الماضي وتضارب العواطف ، وإننا نساعد من يرغب بالانفصال بحسن اتخاذ القرار بتحويل المشاعر والأفكار من الجانب النظري إلى العملي وذلك بكتابة إيجابيات وسلبيات الانفصال على ورقة قبل ورقة الطلاق ثم مناقشة ما كتب بهذه الورقة وبعدها يتم اتخاذ القرار.
وفي هذه الحالة يكون متخذ القرار مرتاحا ومطمئنا غير نادم على قراره لأنه استطاع أن يرى الصورة الحالية والمستقبلية من جميع زواياها ، وأحببت في هذا المقال أن أعرض عليكم حالة واقعية لهذا التكنيك الذي أمارسه مع المقبلين على الانفصال حتى نزيد الفكرة وضوحا.
ففي هذا الشهر دخلت علي امرأة للاستشارة في شأن طلاقها فشرحت لها طريقة التعامل مع الورقة وكتابة إيجابيات وسلبيات الانفصال بعدما ناقشتها ببعض أفكارها وقرارها بالانفصال ، وقلت لها : اذهبي وفكري لمدة اسبوع ثم تعالي لنناقش ما كتبت فلما جاءت بعد أسبوع قرأت الورقة وقد كتبت فيها (اثنتي عشرة إيجابية وعشر سلبيات) وأول الإيجابيات هي:
أن الانفصال سيساعدها في تحسن حالتها الصحية لأن زوجها دمر صحتها بسبب كثرة صراخه عليها وإهانتها وضربها أحيانا ، والثانية التركيز في عملها لأنها موظفة وقد تراجع أداؤها الوظيفي بسبب كثرة مشاكلها ، والثالثة استعادة ثقتها بنفسها لأن زوجها مستمر في تحطيمها قولا وعملا ، والرابعة أنها تنال حريتها لأنه متحكم بها ويراقب تحركاتها ويشك فيها كثيرا ، والخامسة تغيير نمط روتين حياتها فهي ترغب بالتجديد واستكمال دراستها العليا ، والسادسة التفرغ لحسن تربية أطفالها الأربعة وحمايتهم من الرعب الذي يعيشونه بسبب عصبية أبيهم وكثرة ضربهم والتدخين أمامهم ، والسابعة الاهتمام بأنوثتها فقد تحولت لرجل بسبب تخلي زوجها عن تحمل المسؤولية ، والثامنة العودة لعلاقاتها الاجتماعية والتي قطعتها بسبب زواجها وترغب بالتواصل مع أهلها وصديقاتها ، والتاسعة التفرغ للأنشطة الدينية والعمل الخيري ، والعاشرة ممارسة أنشطة وهوايات محببة لها مثل الرياضة التي منعها زوجها منها ، والحادية عشرة أنها ترى مشاكلها ابتلاء تنال عليها الثواب والأجر من الله ، والثانية عشرة لعل الله يعوضها بزوج آخر أفضل منه.
أما سلبيات الانفصال فأولها النظرة السلبية من المجتمع للمطلقة وكثرة سؤالها عن سبب الانفصال ، وثانيها نظرة أهلها لها بأنها لم تصبر ولم تتحمل المعاناة علما بأنها صبرت حتى مل الصبر من صبرها (هكذا كتبت) ، وثالثها أنها ستكون مقيمة مع أولادها في بيت أهلها مما يسبب لهم إزعاجا ، ورابعها القيود التي ستفرض من أهلها في تحركاتها وسفرها ، وخامسها زيادة أعباء المعيشة والمصاريف عليها لأنها تتوقع أن لا يلتزم طليقها بمصاريف التعليم الخاص بالأبناء ، وسادسها كثرة التحرشات من الرجال لها وخاصة عندما يعرفون أنها مطلقة ، وسابعها احتمال تأثّر نفسية أبنائها بالفراق ، وثامنها تأثر نفسيتها بعد الانفصال ، وتاسعها شعورها بفقدان الأمان.. وأخيرا قالت أشعر بالخوف من المستقبل.
فلما انتهينا من قراءة الورقة بدأت بمناقشة الإيجابيات والسلبيات التي كتبتها وتحاورنا كثيرا في مسألة الأمان بعد الزواج لأولادها ونفسها وأكدت أنها يمكنها أن تعوض أمان زوجها بأمان أهلها ، ثم اقترحت عليها أن تذهب أسبوعا لتفكر في النقاش الذي دار بيننا ، وبعد أسبوع قالت أنا فكرت ووازنت الإيجابيات والسلبيات واستشرت أهلي واستخرت ، وإني عازمة على الطلاق فقلت لها : طالما هذا قرارك بعد دراسة وتأنٍ فتوكلي على الله وابدأي إجراءات الطلاق.
فقالت : ولكن أنت ما هو رأيك ؟ فقلت لها : أنت تعرفين أننا نقدر القرار بحسب الحالة وواضح من تدهور حالتك الصحية وتدهور نفسية أبنائك بسبب زوجك بالإضافة إلى إهانته وضربه لك فإني مع قرارك هذا في الانفصال على أن يكون طلقة واحدة ، لأن الأولى تأديبية فلربما تكون درسا لزوجك فيفكر في تغيير نفسه ، فقالت : حاولت كثيرا ولكنه متكبر ومغرور ومنغمس بالدنيا كثيرا وليس لديه كبير في حياته حتى والده لما تدخل بيننا لم يحترم تدخله ، فقلت طالما أن الأمر محسوم لديك فنحتاج لجلسة واحدة للتخطيط لما بعد الانفصال تربويا واجتماعيا ونفسيا ووضع خطة لمستقبل الأبناء ، وأتمنى لو أن زوجك يتعاون معنا في ذلك قالت سأحاول. وانتهى اللقاء على أمل أن يكون هذا مما قال الله فيه (أو تسريح بإحسان) والله يعوضها خيرا وهذه هي قصة الورقة المهمة قبل ورقة الطلاق.