(12) صنفا من الناس .. كيف نتعامل معهم ؟
اختلاف الطباع والأخلاق بين الناس قد يسبب نفورا أو كراهية بين الطرفين بسبب عدم الانسجام الذي يحدث بينهم ، سواء كانوا أصدقاء أو زوجين أو أقرباء ولهذا فإن حسن العشرة والمصاحبة يتطلب ذكاء اجتماعيا في التعامل مع الآخر ، فالنفوس أشكال وأنواع والناس كالمعادن بعضهم لا نستطيع اكتشاف أسراره من أول لقاء ، وكل واحد منا لديه ثلاثة وجوه ، الوجه الأول هو ما يظهره من أخلاق وأعمال أمام الناس ، والوجه الثاني ما يظهره أمام المقربين فقط ، أما الثالث فيظهر عندما نكون لوحدنا ولا يعلم بهذه الحالة إلا الله ، ولهذا فإن السعيد في تعامله مع الآخرين من جعل رضى الله غايته وليس رضى الناس ، لأن رضى الناس غاية لا تدرك بينما رضى الله غاية تدرك.
ونحن نحتاج مهارة وعلما في تعاملنا مع أصناف الناس وكما قيل في وصفهم (الناس كالأرض منها هم .. فمن خشن الطبع ومن ليّن .. فجندل تدمى به أرجل .. وإثمد يوضع في الأعين) ، ونضرب بعض الأمثلة السريعة في التعامل مع أصناف الناس ، فالصامت إذا أردنا أن يتحدث معنا نحاوره من خلال طرح الأسئلة عليه حتى نرغبه بالحديث ولا نتوقع منه البدء بالحديث إلا إذا فتحنا معه موضوعا يهمه ويحبه . والثرثار نستمع إليه ونكون معه مستقبلين ومتفاعلين أكثر من أن نكون متكلمين ومبادرين بالحديث ، ومن الأفكار الذكية لضبط الوقت معه أننا نجلس معه قبل موعد مهم لدينا كالذهاب لطبيب أو موعد مع الوالدة ليكون عندنا مبرر للاستئذان منه . أما الشكاك فلا نغضب منه وإنما نكلمه بهدوء ونبين له أن شكه خطأ وغير مستند لدليل ، لأن الشك إما مرض أو وسواس وفي الحالتين علينا أن نراعي الشكاك ، وفي حالة واحدة يكون الشك في محله لو كان شكه مستندا لدليل مادي ولهذا علينا أن نكون واضحين في التعامل معه ، والمتغابي يكون أحيانا من المفيد أن نتغابى معه ونمثل عليه وكأننا لم نفهم ولم نعرف ما يريد ، وأحيانا نضطر لكشف تغابيه بحسب حاجة الموقف وهذه المسألة تقديرية ، أما المتردد الذي يتأخر كثيرا في اتخاذ القرار فنشجعه ونحمسه لاتخاذ القرار المناسب ، وأحيانا نضعه في زاوية حرجة لنجبره على اتخاذ القرار بطريقة ودية . وأما الغيور فنسايسه ونجامله حتى تنتهي ثورة الغيرة منه ، و نراعي ما يثير غيرته فنبتعد عنه لنحفظ وده ومحبته ، وأما العاطفي فنعطيه من وقتنا ونكثر الجلوس معه ونبادله المشاعر العاطفية ونشعره بأهمية كلامه حتى نشبع حاجته فيستقر ويرتاح . وأما المتشائم فنسمعه عبارات التفاؤل ونجعله يفكر بما نقول ، فإن قال الجو غبار قلنا له صحيح ولكن الغبار مفيد للنخيل ولقتل الجراثيم فنعطيه الزاوية التفاؤلية ، وربما يرفض ما نقوله أو ينتقده ولكن كلمتنا ستبقى في ذهنه لعله يتأثر بها أو يرجع إليها مستقبلا . وأما الحالم صاحب الخيال الواسع فنستمع إليه ثم نسأله أسئلة واقعية حتى يعود بخياله للواقعية ويستيقظ من حلمه . وأما المتكبر أوالمغرور فنعرفه بحقيقة نفسه ونبين له فضل التواضع وأن من تواضع لله رفعه . وأما المزاجي فهذا يحتاج لرعاية خاصة وأن نتعامل معه بحذر ، ولو أردنا أن نتخذ قرارا معه علينا أولا أن نختبر مزاجه وبعدها نتخذ القرار المناسب . وأما العصبي سريع الاشتعال فعلينا تجنب المثيرات التي تزيده اشتعالا ، ولا نوجهه أو ننصحه وقت الغضب ونحرص على إخماد الحريق الذي في صدره وبعد هدوء العاصفة نتحاور معه.
ونماذج كثيرة من الناس لا نستطيع حصرها بهذا المقال وإنما الأصل أن نحسن سياسة التعامل مع الناس ، وأن نميز بين الناس بعقولنا لا بأعيننا ، والقاعدة الذهبية أن نعامل الناس بما نحب أن نعامل به ، فالإنسان لا يحب النصيحة بالعلن ، ولا يحب أن يلومه أحد ، ولا يحب أن نركز على سلبياته عند الحديث معه ، ويكره من لا ينسى زلاته وأخطاءه ، ولهذا نقول : حتى نعيش سعداء علينا أن نفرمت (بلغة أهل الكمبيوتر) من أساء إلينا ونفرمت الذكريات المؤلمة ، ونحسن مهارات العلاقات الاجتماعية وحب الناس .