(11) فائدة تربوية يوسفية
قال لي رزقت بمولود جديد فبماذا توصيني ؟ قلت : أوصيك (بعشر فوائد يوسفية) ذكرت في قصة يعقوب عليه السلام مع أولاده في القرآن وهي منهج تربوي عظيم ، فقال لي : لقد اشتريت كتبا كثيرة في التربية وأغلبها مترجمة من اللغة الأجنبية ولم أفكر بقصة يوسف عليه السلام ، فأخبرني ما هي هذه الفوائد اليوسفية ؟
قلت : إن يوسف عليه السلام لديه 11 أخا ، واحد من أمه وعشر إخوة غير أشقاء من أم ثانية وقد عاشوا في فلسطين وذكر القرآن قصتهم لتكون دستورا لمن ينشد التربية المتميزة ، وفيها فوائد كثيرة منها : قرب الوالد من ابنه ويتضح ذلك من خلال حديث يوسف مع أبيه عما رآه بالمنام وهذا يدل على حميمية العلاقة بين الطرفين وقوتها وهي سر النجاح التربوي ، والفائدة الثانية النظرة المستقبلية للآباء فقد أخبره أبوه بأن الله (سيجتبيه) أي يختاره في المستقبل ليكون له شأنا وقد كان ؛ بأن صار نبيا ووزيرا ، والفائدة الثالثة معرفة الواقع الاجتماعي وكيفية التعامل معه وخاصة بيئته العائلية فقد تحدث والده معه عن الحسد والغيرة الموجودة لدى إخوانه غير الأشقاء وأن عليه أن يكتم ما رآه من بشارات مستقبلية عنهم حتى لا يتسلل الشر إلى قلوبهم ، والفائدة الرابعة وجّه الأب ابنه نحو العدو الأكبر وهو الشيطان الذي يهمه تفكيك الأسرة وعدم استقرارها والتفرقة بين الإخوان ، فقال : (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) وكأنه في هذه اللفتة يركز الجهود نحو الشيطان بدلا من كراهية الإخوان ، والفائدة الخامسة المحافظة على الهوية وتاريخ العائلة وسمعة الأجداد وأن هذه نعمة عظيمة ، فقد قال : (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل) وواضح من هذه اللفتات التربوية أن الأب يعرف دوره التربوي جيدا ويستوعب واقعه ويعرف كل ولد من أولاده كيف يفكر ويخطط ولهذا ركز على خمس قيم تربوية مهمة وهي (القرب والتخطيط ومعرفة الواقع وتوحيد الجهود نحو العدو الأول والمحافظة على التاريخ والهوية) فهذه خمس فوائد يوسفية خاصة بالآباء نحتاجها في حياتنا التربوية.
فقال صاحبي : إن المنهج القرآني وضع بكلمات قليلة أساسيات التربية الصحيحة والمتميزة التي نبحث عنها في الكتب الأجنبية ، فقلت له : نعم ودعني أكمل لك الخمسة اليوسفية الثانية والخاصة بالأبناء فإنها ستزيدك علما ومعرفة بشخصية أبنائك ، فالأولى أن الأطفال أذكياء ومبدعون ويعلمون ماذا يريد الكبار وكيف يتكلمون معهم ، فإخوة يوسف استخدموا حيلة اللعب في حوارهم مع أبيهم ليأخذوا يوسف للعب معهم واللعب هو متعة الصغير وحياته ومن الصعب أن يمنع الآباء أبناءهم من الترفيه واللعب وهذا يسمى ذكاء مكانيا ، والفائدة الثانية أن الأبناء يختارون الألفاظ الذكية لإقناع الكبار ولهذا قالوا لوالدهم (إنا له لحافظون) لأنهم يعرفون أنه يخاف على يوسف فأعطوه الأمان وهذا هو الذكاء الاجتماعي ، والفائدة الثالثة قدرة الأطفال على التمثيل باختيار الوقت المناسب لإقناع الكبار فقد اختاروا أن يأتوا للبيت وقت العشاء وعادة أطفال بني إسرائيل أنهم يرجعون لبيوتهم قبل غروب الشمس لأن بيوتهم ليس فيها كهرباء ، ولكنهم اختاروا وقت العشاء للاستفادة من شدة الظلام حتى لا يكتشف والدهم خدعة القميص وخدعة الدموع ، وهذا اختيار فيه إبداع وهذا يسمى ذكاء منطقيا ، والفائدة الرابعة معرفة الصغار توقعات تفكير الكبار ويعرفون أن والدهم لن يصدقهم بالحادثة فاستبقوا بالألفاظ والمواقف وقالوا (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) وهذا ذكاء استباقي ينم عن عقلية مستقبلية متميزة ، وهي نتاج تربية يعقوب عليه السلام لأبنائه إلا أنهم استخدموا هذه المهارة في غير محلها الصحيح.
فهذه عشر فوائد يوسفية نصفها موجه للآباء ونصفها للأبناء وهناك المزيد من الفوائد إلا أن مساحة المقال محدودة فنكتفي بما ذكرنا ، ونختم بالقاعدة الذهبية في التربية من قصة يوسف وهي الفائدة الحادية عشرة وهي أن المشاكل التربوية لا تعالج كلها فورا وإنما يحتاج بعضها لوقت وصبر واستعانة بالله واستشارة أهل الخبرة ، فمشكلة إخوة يوسف تمت معالجتها من بداية المشكلة بالصبر والاحتساب لله ولكن حصلت النتيجة الإيجابية بعد 40 سنة عندما اجتمعت العائلة كلها واعتذر إخوة يوسف له على ما فعلوا واعترفوا له بخطئهم فعفى عنهم وكانت نهاية القصة بالتركيز على المفهومين التربويين (الاعتذار والعفو) وهذا هو شأن طريق التربية دائما أوله شاق وأتراح وآخره سعادة وأفراح.